وعلى ذلك ليس كلّ ممّا ترك أمراً معدوماً ، بل أمر موجود ، غاية الأمر إنّما فقد الاتصال والتماسك بين الأجزاء التي هي مبدأ للروح الحيوانية ، فلو أعيد الاجتماع والانضمام إلى الأجزاء وتعلّق بها الروح المحفوظة ، يكون المعاد نفس الإنسان السابق.
وممّا يؤكد ذلك ما أثبته العالم الفرنسي لافوازيه عام ١٧٧٥م فقد أثبت بأنّ المادة لا تعدم ولا تستحدث بل تتحول من شكل إلى آخر ، وانّ التفاعلات الكيمياوية أو الفيزياوية لا تعدم فيها المادة بل المادة باقية بحالها ، غاية الأمر تتحول من شكل إلى شكل آخر.
هذه الشبهة من أقدم الشبهات التي طرحت في المعاد الجسماني ، وقد جاء ذكرها في أكثر الكتب الكلامية.
وقد قررت بوجوه ، أوضحها ما ذكره العلاّمة الحلّي في كشف المراد ، حيث قال :
إنّ إنساناً لو أكل آخر أو اغتذىٰ بأجزائه فإن أعيدت أجزاء الغذاء إلى الأوّل عدم الثاني ، وإن أُعيدت إلى الثاني عدم الأوّل.
وأيضاً إمّا أن يعيد الله تعالى جميع الأجزاء البدنية الحاصلة من أوّل العمر إلىٰ آخره أو القدر الحاصل له عند موته ، والقسمان باطلان :
أمّا الأوّل : فلأنّ البدن دائماً في التحلّل والاستخلاف ، فلو أُعيد البدن مع جميع الأجزاء منه لزم عظمه في الغاية ، ولأنّه قد يتحلّل منه أجزاء تصير أجساماً غذائية ثمّ يأكلها ذلك الإنسان بعينه حتى تصير أجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت أجزاء له أوّلاً ، فإذا أُعيدت أجزاء كلّ عضو إلى عضوه لزم جعل ذلك