قسمين بين من أخلد إلى الأرض ولا يبغي سوى نيل اللذات الحسية ، وبين من لا يهمه إلاّ اللذات العقلية وما يناسب تلك القوّة من الكمال.
ذهب المحقّقون من الحكماء إلى أنّ حقيقة اللذة هي الإدراك أي إدراك الشيء الملائم للمدرك ، فلو كان المدرِك أمراً حسياً فكماله إدراك الأُمور الحسية ، وإن كان المدرِك قوة عقلية ونفساً مجردة فكماله هو دركه الصور والمعاني الكلية وقربه من الحقّ ولقائه ومشاهدة الجواهر النورية.
يقول صدر المتألّهين : إنّ نفوسنا إذا استكملت وقويت وبطلت علاقتها بالبدن ورجعت إلى ذاتها الحقيقية وذات مبدعها ، تكون لها من البهجة والسعادة ما لا يمكن أن يوصف أو يقاس به اللذات الحسية ، وذلك لأنّ أسباب هذه اللذة أقوى وأتم وأكثر وألزم للّذات المبتهجة.
امّا أنّها أقوى فلأنّ أسباب اللّذة هي الإدراك والمدرِك والمدرَك ، وقوة الإدراك بقوة المدرِك ، والقوة العقلية أقوى من القوة الحسية ومدركاتها أقوى. (١)
ويقول أيضاً : فانّ الصور العقلية إذا عقلها العقل يستكمل بها ويصير ذاتها كما علمت ، بل كان بعضها قبل أن يقع الشعور به مقدماً لذات العقل وكان غافلاً عنه لاشتغاله بغيره فإذا استشعر وتنبّه يرى ذلك البهاء والجمال في ذاته فصار مبتهجاً بذاته غاية البهجة.
وهذه اللذة شبيهة بالبهجة التي للمبدأ الأوّل بذاته ، وبلذات المقربين بذواتهم وذات مبدئهم ... ونحن لا نشتهي تلك اللذات مادمنا متعلّقين بهذه الأبدان. (٢)
إلى أن قال : إذا انقطعت العلاقة بين النفس والبدن وزال هذا الشوب
__________________
١. الأسفار : ٩ / ١٢٢.
٢. الأسفار : ٩ / ١٢٣.