إنّ ظواهر بعض الآيات وإن كانت تنسجم مع المعاد الجسماني ، غير أنّ ثمة آيات أُخرى لا تنسجم مع كون المعاد هو البدن العنصري السابق ، وذلك لأنّه سبحانه يستخدم لفظة « انشأ » و « مثل » ، ومن الواضح أنّ الإنشاء عبارة عن الإيجاد بلا مثال سابق ، كما أنّ لفظة « مثل » تحكي عن كون المعاد ليس نفس المنشأ أوّلاً ، بل مثله ، قال سبحانه : ( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ ) (١) ، وقال عزّمن قائل : ( نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ). (٢)
قال صدر المتألّهين بعد تفسير الآيات : ولا يخفى علىٰ ذي بصيرة أنّ النشأة الثانية طور آخر من الوجود يباين هذا الطور المخلوق من التراب والماء والطين ، وانّ الموت والبعث ابتداء حركة الرجوع إلى الله أو القرب منه لا العود إلى الخلقة المادية والبدن الترابي الكثيف الظلماني. (٣)
والجواب : انّ مادة الإنشاء كما تستعمل في الإيجاد بلا مثال تستعمل في مطلق الإيجاد أيضاً ، وإن كان له مثال سابق ، قال سبحانه :
( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ) (٤) فإنّ إنشاء السحاب بمعنى إيجاد فهو بالنسبة إلى شخصها إيجاد ، وبالنسبة إلى نظائرها إيجاد مع سبق مثال له ، وعلى ذلك فإطلاق الإنشاء علىٰ إعادة الإنسان بملاك الإيجاد وانّه خلق ثان وإيجاد بعد الإيجاد.
__________________
١. الواقعة : ٦١.
٢. الإنسان : ٢٨.
٣. الأسفار : ٩ / ١٥٣.
٤. الرعد : ١٢.