إنّ أجناس العوالم والنشآت مع كثرتها منحصرة في ثلاثة ، وإن كانت دار الوجود واحدة لارتباط بعضها مع بعض :
أدناها عالم الصور الطبيعية الكائنة الفاسدة.
وأوسطها عالم الصور الإدراكية الحسيّة المجرّدة عن المادة.
وأعلاها ، عالم الصور العقلية والمثل الإلهية.
فاعلم أنّ النفس الإنسانية مختصة من بين الموجودات بأنّ لها هذه الأكوان الثلاثة مع بقائها بشخصها ، فللإنسان كون طبيعي وهو بحسبه إنسان بشري. ثمّ يتدرج في هذا الوجود ويتكامل ويتلطف شيئاً فشيئاً في تجوهره إلىٰ أن يحصل له كون آخر مثالي ، وهو بحسبه إنسان مثالي ، وله أعضاء مثالية وهو الإنسان الثاني.
ثمّ قد ينتقل من هذا الكون أيضاً نتيجة تكامله فيحصل له كون عقلي ، وهو بحسبه إنسان عقلي ، وله أعضاء عقلية وهو الإنسان الثالث.
وهذه المراحل التي يمرّ بها الإنسان مختصة بنوعه. فإنّ الأشياء وإن كانت برُمَّتها سائرة إلى الحضرة الإلهية ، لكن الذي يمرّ على الصراط المستقيم منتهياً إلىٰ غاية الغايات ليس هو إلاّ النوع الإنساني.
فالإنسان بحسب فطرته الأصلية يتحرك نحو الآخرة بالتدريج ويرجع إلىٰ غاية مقصودة ، فيبتدئ بوجوده الدنيوي المادي إلىٰ وجوده الأُخروي الصوري إذ نسبة الدنيا إلى الآخرة نسبة النقص إلى الكمال ، ونسبة الطفل إلى البالغ ، فإذا بلغ الوجود أشده الجوهري يخرج من هذا الوجود الدنيوي إلىٰ وجود أُخروي ويستعد للخروج من هذه الدار إلىٰ دار القرار.
ثمّ إنّه قدسسره استنتج من هذه الأُصول ، وقال : من تدبّر في هذه الأُصول لم