يبق له شكّ وريب في مسألة المعاد وحشر النفوس والأجساد ، ويعلم يقيناً ويحكم بأنّ هذا البدن بعينه سيحشر يوم القيامة بصورة الأجساد ، وينكشف له أنّ المعاد في المعاد مجموع النفس والبدن بعينهما وشخصهما وانّ المبعوث في القيامة هذا البدن بعينه لا بدن آخر مبائن له عنصرياً ـ كان كما ذهب إليه جمع من الإسلاميين ـ أو مثالياً ـ كما ذهب إليه الإشراقيون ـ فهذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للشريعة والملة الموافق للبرهان والحكمة. (١)
وإيضاحاً لمختاره نقول : إنّ مقتضى الأصل الأوّل انّ الإنسان في حركته الجوهرية ينتقل من كمال إلى كمال ، ومقتضى الأصل الثالث انّ له نشاءات ثلاث :
طبيعية ، ومثالية ، وعقلية ، وبحكم الأصل الثالث انّ فعلية شيء بصورته لا بمادته ، فالإنسان في النشأة المثالية هو الإنسان في النشأة الطبيعية ، لأنّ الصورة محفوظة بكمالها لا بحدودها ، ففعلية البدن هو صورته وهي محفوظة في عالم المثال ، كما أنّ فعلية الإنسان نفسه وهي أيضاً محفوظة ، فإذا حشر الإنسان بالبدن المثالي الذي كانت النفس تلازمه في عالم الطبيعة ، يكون حشره حشر البدن العنصري لكن لا بحدوده.
هذه عصارة ما ذكره صدر المتألّهين في تفسير المعاد الجسماني وهو يختلف عن مسلك الإشراقيين في واقع البدن المثالي ، فانّه على مسلكهم يكون بدناً مخلوقاً من ذي قبل تتعلّق به النفس بعد فراقه عن البدن ، وعلى مسلكه يكون البدن المثالي مخلوقاً مع البدن العنصري وفي داخله وحالّة فيه ويتكامل مع تكامله على نحو لو تركت النفس تعلّقها بالبدن الدنيوي لبقيت متعلّقة بالبدن المثالي ، وتمكث في عالم البرزخ إلىٰ يوم القيامة ثمّ تحشر معه متعلّقة به.
فهنا سؤال وهو انّ حاجة النفس إلى البدن المثالي يدور حول أحد أمرين :
__________________
١. الأسفار : ٩ / ١٩٤ ـ ١٩٨.