وأمّا الأمر الثاني ، فلأنّ إنكارهم لم يكن مبنياً علىٰ أنّ المعاد الذي يدعو إليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعد مغايراً لهذه الحياة الدنيا ، بل كان إنكارهم لأجل خوفهم من سوء الحساب والجزاء لا من تغاير الحياتين واختلافهما ، يقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ ) (١) وقال سبحانه : ( إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا ). (٢)
والحاصل أنّ التغاير بين الحياتين لا يكون داعياً إلى الإنكار خصوصاً إذا كانت الحياة الثانية أكمل من الأُولى وانّ الذي يجر المنكر إلى إنكار المعاد هو خوفه من نصب الموازين بالقسط والجزاء بما عمل ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
إنّ تعلّق النفس بالبدن أمر طبيعي منشأه الملازمة التامة والاستعداد الكامل للمادة المخصِّص لها بهذه النفس دون غيرها ، ولابدّ أن يكون هذا التخصص والاستعداد ممّا لم يوجد إلاّ لهذه المادة الواحدة بالقياس إلى النفس المعينة الواحدة لئلا يلزم التخصص بلا مخصص ، أو تعلّق نفس واحدة ببدنين ، على أنّ منشأ حدوث النفس وما يجري مجراها هو الحركة الذاتية الاستكمالية لمادة ما في الصور الجوهرية على سبيل الترقي من الأدنىٰ إلى الأعلىٰ حتى يقع انتهاء الأكوان الصورية إلى النفس وما بعدها ، فعلىٰ هذا لا معنى لبقاء المناسبة الذاتية للأجزاء الترابية إليها. (٣)
والجواب : أنّ المناسبة بين النفس والأجزاء الترابية وإن كانت منتفية إلاّ أنّها
__________________
١. ص : ٢٦.
٢. النبأ : ٢٧.
٣. الأسفار : ٩ / ٢٠٦.