القبر وعالم البرزخ
إذا كانت حالة الاحتضار نهاية النشأة الأُولى وبداية النشأة الثانية ، فالتكفين والصلاة على الميت والتدفين في القبر ، هو المنزل الثاني من النشأة الثانية ، وهو منزل ضيق للغاية ، ولعل الإنسان لا أُنس له بهذا النوع من المنازل ، وتنقطع صلته عن الحياة الدنيويّة إذا وُري جثمانه الثرىٰ ، وهذا أمر ملموس ، يشير إليه قوله سبحانه : ( ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) (١).
ولكن في بطن هذا المنزل من تلك النشأة ، عالم فسيح يحيا فيه الإنسان لا بهذا البدن المقبور ، بل ببدن يناسب تلك النشأة ، وهو البدن المثالي الذي له آثار المادة وإن تجرّد عنها ، وهذا ما يعبر عنه بعالم البرزخ ، وقد صرح به الذكر الحكيم ، يقول تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٢) ، فقوله : ( وَمِن وَرَائِهِم ) بمعنى أمامهم لا بمعنى خلفهم ، بشهادة قوله سبحانه : ( وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ). (٣)
__________________
١. عبس : ٢١.
٢. المؤمنون : ١٠٠.
٣. الكهف : ٧٩.