وعد سبحانه المطيعَ بالثواب والعاصيَ بالعقاب ، فله أن يغضَّ النظر عن عقاب العاصي لأنّه حقه ، ولكن ليس له غض النظر عن الوعد للفرق بين الوعد والوعيد.
أمّا الأوّل فيجب العمل به ويعدُّ خُلْفه قبيحاً ، بخلاف الوعيد فلا يعدُّ خُلفه إخلالاً بالعدل ، وقد صبّ الشاعر المفلق هذا المعنى في قالب شعريّ وقال :
وانّي إذا أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف ميعادي ومنجز موعدي |
وقال الآخر :
إذا وعد السّراء انجز وعده |
|
وإن أوعد الضرّاء فالعفو مانع |
وإن شئت قلت : الخلف في الوعد إسقاط لحقّ الغير. وإمساك عن أداء ما عليه من الحقّ ، وأمّا الوعيد فانّه إسقاط لحقّ نفسه ، والعقل يستقل بقبح الأوّل دون الثاني.
وعلى ضوء ذلك فله سبحانه أن يغضَّ النظر عن العاصي دون العمل بوعده للمطيع فلابدّ من يوم يكون مجلىٰ لإنجاز وعده وإظهار عدله.
وهذا البرهان يمتاز عمّا سبقه ، بأنّ السابق بصدد بيان انّ التسوية بين المطيع والعاصي أمر قبيح سواء أكان هناك وعداً ووعيداً أم لا ، ولذلك قلنا : إنّه لو كان الجميع مطيعين فلا يضرّ عدم الإثابة بعدله ، أو كانوا عاصين فلا يخلُّ العفو كذلك ، وإنّما المخل هو التسوية بين المطيع والعاصي.
وأمّا هذا البرهان ، فهو مبني علىٰ مقدمة شرعية وحكم عقلي.