الثاني : انّ ثمة فرقاً بين ما دلّ على الجبر ، وبين ما دلّ على المعاد الجسماني ، فما يدل على الأوّل يخالف العقل الصريح ، ولفيف من الآيات ، كما يضاد الغاية من وراء بعث الأنبياء ، فلا محيص عن التأويل.
وأمّا المعاد الجسماني فليس هناك أيّ داع إلى التأويل ، سوى الشبهات التي نطرحها على طاولة البحث ، وسنحللها بفضل من الله سبحانه حينها حتىٰ تنجلي الحقيقة ناصعة لا يشوبها لبس ولا غموض.
ذهب لفيف من المتكلّمين إلى أنّ للإنسان أجزاءً أصلية صلبة لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان ولا التغيّر والتبدّل ، وإنّما تطرأ إلى ما يضيف إليها. (١)
وبعبارة أُخرى : المعاد عبارة عن جمع متفرقات أجزاء مادية لأعضاء أصلية باقية عندهم ، وتصويرها مرّة أُخرى بصورة مثل الصورة السابقة ليتعلّق النفس بها مرّة أُخرى.
يقول الإمام الرازي : إنّ قوله تعالى في سورة الواقعة من الآيات إشارة إلىٰ جواب شبهة المنكرين الذين هم من أصحاب الشمال المجادلين ، فانّهم قالوا : ( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ) (٢) وأشير إلى إمكانها هذا بوجوه أربعة :
أوّلها ، قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ ). (٣)
__________________
١. كشف المراد : ٢٥٩ ، المسألة الرابعة في وجوب المعاد الجسماني.
٢. الصافات : ١٦ ـ ١٧ والواقعة : ٤٧ ـ ٤٨.
٣. الواقعة : ٥٨ ـ ٥٩.