والمراد من الأوّل هو ما يفهمه الإنسان عند سماع اللفظ دون تدبّر في القرائن الحافة به.
والمراد من الثاني هو ما يذعن به الإنسان بعد الإحاطة بالقرائن الحافة بالكلام. فربما يكون المتبادر عندئذ من الكلام غير ما هو المتبادر من الظهور الابتدائي ، وهذا ما نوضحه بمثال :
قد اشتهرت الكناية عن السخاء والجود بقولهم فلان باسط اليد ، ولا يغلق بابه ، فالظهور البدوي منه عبارة عمّا يتبادر من ظاهر اللفظ وهو كون يده المحسوسة مبسوطة لا تجمع ، وانّ بابه لا يغلق ، ولكنّه ليس بمراد قطعاً ، وإنّما المراد هو الظهور التصديقي ، وهو التأمّل في مفهوم هذه الجمل والانتقال إلى ما صيغ لأجله الكلام ، وهو أنّه سخي ، وبابه مفتوح لكلّ من يحلّ ضيفاً عليه وآفة أهل الحديث انّهم يفسرون الآيات الراجعة إلى المعارف بحرفيتها ولا يتأملون في القرآئن الحافة بالكلام حتى يقفوا على ما أُريد من الآيات.
يقول صاحب المقاصد : المراد به العدل الثابت في كلّ شيء ، ولذا ذكره بلفظ الجمع. (١)
وحاصل هذه النظرية : انّه سبحانه يتعامل مع عباده بالعدل والقسط ويقضي به ، وهذا هو المراد من نصب الموازين.
أقول : إنّ النظرية الأُولىٰ نظرية بعيدة عن الصواب ، وأمّا الثانية فهي تتعرض إلى نتيجة الميزان من دون أن تشير إلىٰ واقعه ، وانّه بعدما تم التوزين يتعامل سبحانه في قضائه بالعدل والقسط ، فلابدّ قبل القضاء والتعامل من أداة تبيّن
__________________
١. شرح المقاصد : ٢ / ٢٢٣ ، ط آستانة.