قد ينسب الموت إلى البدن ، وأُخرى إلى القلب ، فإذا انقطعت علاقة الروح بالبدن فهذا موت البدن ، ولكن إذا كانت العلاقة موجودة ولكن الإنسان بلغ من التفكير والتعقّل درجة نازلة تلحقه بميت الأحياء ، ولذلك يعد سبحانه الفئة المعاندة للإسلام أمواتاً ، ويقول : ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَىٰ وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) (١) ، وقد ورد هذا المضمون في آيات أُخرى من الذكر الحكيم.
ويقول سبحانه : ( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ). (٢)
والمراد من « الميت » هو ميت القلب الغافل عن الحقائق والمعارف ، فإذا أشرق نور الإسلام على قلبه صار حيّاً بحياة معنوية يمشي بنوره بين الناس ، فليس هو كمن بقي في الظلمات ولا يستطيع الخروج منها.
ومن لطائف الكلام ما نلمسه في خطب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام حيث يصف حياة المتخلفين عن الجهاد أمام أعدائهم موتاً ، كما يصف الشهادة في ميادين الجهاد حياة ، ويقول عليهالسلام : « فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين ». (٣)
لأنّ الحياة المعنوية رهن آثار وأهمها الدفاع عن كيان الدين ودفع عادية المعتدين ، فالطائفة الأُولى فقدوا هذه الخصيصة فكأنّهم ليسوا بأحياء بل أمواتٌ ، بيد أنّ تلك الخصيصة متوفرة عند الطائفة الثانية فهم وإن ضُرّجوا بدمائهم في
__________________
١. الروم : ٥٢.
٢. الأنعام : ١٢٢.
٣. نهج البلاغة : الخطبة ٥١.