وثمة ملاك آخر لوصف المعاد بالجسمانية أو الروحانية ، وهو اختلاف الثواب والعقاب فانّ هناك صنفاً من الثواب والعقاب لا ينالها الإنسان إلاّ ببدنه وهيكله المرافق للحس والحركة ، كالأكل والشرب من نعيم الجنة والالتذاذ برؤية مناظر الجنة الخلاّبة ، فعندئذٍ يكون معاد الإنسان معاداً جسمانياً.
كما أنّ هناك صنفاً آخر لا ينالها الإنسان إلاّ بعقله وروحه ، فلو تجرّد الروح عن البدن لما كان للبدن ذلك كنيل رضوان الله والابتعاد عن رحمته.
وعلىٰ ذلك الاصطلاح درج الشيخ الرئيس في الشفاء (١) وصدر المتألّهين في الأسفار ، والحكيم السبزواري في شرح المنظومة.
قال صدر المتألّهين : إنّ للنفس الإنسانية نشاءات ثلاثة إدراكية.
النشأة الأُولى : هي الصورة الحسية الطبيعية ، ومظهرها الحواس الخمس الظاهرة ، ويقال لها الدنيا لدنوها وقربها ولتقدمها على الأخيرتين.
وعالم الشهادة لكونها مشهودة بالحواس ، وشرورها وخيراتها معلومة لكلّ أحد لا يحتاج إلى البيان ، وفي هذه النشأة لا يخلو موجود عن حركته واستحالته ، ووجود صورتها لا تنفك عن وجود مادتها.
والنشأة الثانية : هي الأشباه والصور الغائبة عن هذه الحواس ، ومظهرها الحواس الباطنة ، ويقال لها عالم الغيب والآخرة لمقايستها إلى الأُولى.
والنشأة الثالثة : هي العقلية وهي دار المقربين ودار العقل والمعقول ، ومظهرها القوة العاقلة من الإنسان إذا صارت عقلاً بالفعل ، وهي لا تكون إلاّخيراً محضاً ونوراً صرفاً.
__________________
١. الإلهيات : ٤٦٠ المقالة التاسعة ، الفصل الثامن ، ط ١٤١٨ ه.