شابهه ممّا هو خارج عن بدنك ، فانّك في مثل تلك الحالة تغفل عن كلّ شيء حتى عن أعضائك الظاهرة وقواك الداخلية فضلاً عن الأشياء التي حولك ، إلاّ عن ذاتك فلو كانت الروح نفس بدنك وأعضائك وجوارحك وجوانحك ، للزم أن تغفل عن نفسك إذا غفلت عن أعضائك والتجربة أثبتت خلافه. (١)
إنّ من آثار المادة هو التجزئة والانقسام ، فكلّ أمر مادي حتى الجزء الذي يسمّونه بما لا يتجزّأ أمر منقسم عند العقل وإن تعذر تقسيمه بالأجهزة الحديثة ، فما يسمّىٰ في الفيزياء بالجزء الذي لا يتجزّأ هو مصطلح علمي أسموه بذلك لعدم استطاعة الأجهزة تجزئته ، ولكنّه عند العقل جزء يتجزّأ كما ذكرنا.
وبناء على هذا الأصل فكلّ موجود مادي قابل للانقسام ولكن الشخصية الإنسانية التي تكون محوراً لأفعاله وأوصافه لا تقبل التجزئة والتقسيم فلا يتصور لشخصيته التي يعبر عنها ب « أنا » أجزاء ، وهذا دليل علىٰ أنّ الشخصية الإنسانية رغم ازدواجها مع المادة غير خاضعة لأحكامها ، فهي أمر ثابت غير منقسم ، وما هذا شأنه أمر مجرّد غير مادي.
إنّ هذه البراهين الساطعة تدعم وجهة النظر القائلة انّ الإنسان لا يفنىٰ بموته وإنّما الفاني غير الباقي ، وأنّ النفس أمر مجرد فما ينسب إليها أيضاً مثله.
مثلاً انّ حبك لولدك وبغضك لعدوك ممّا لا يقبل الانقسام وإن كانا
__________________
١. هذا البرهان ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات : ٢ / ٩٢; وفي كتاب الشفاء قسم الطبيعيات في موردين ، ص ٢٨٢ و ٤٦٤.