فهذه المقدمات تنتج انّ تجسم الأعمال الذي ترجع حقيقته إلى تبدّل الطاقة إلى المادة أمر ممكن وإن لم يكن واقعاً في عالم الطبيعة ، ولعلّ العلم سيحقق هذه الأمنية ، ولكن القرآن الكريم طرح هذه المسألة قبل ١٤ قرناً يوم لم يكن للإنسان أي معرفة بها. غير انّ الأكابر من علماء الإسلام وصلوا إليها عن طريق المكاشفة ودراسة الأُصول الفلسفية.
نعم ما ذكرناه إنّما هو صورة ضبابية لما يتحقق في النشأة الأُخرىٰ ، ولا يمكن للإنسان الذي هو رهين عالم المادة أن يتصور ما يحدث خارج عالمه على وجه تام.
إنّ ما دلّ من الآيات والروايات على تجسّم الأعمال ممّا لا غبار عليه ، وانّ الإنسان يجزى من خلال تجسّم عمله الصالح أو الطالح وتمثّله بصورة النعمة والنقمة فيتنعّم به المؤمن ، ويعذّب به الكافر.
لكن بقي سؤال : وهو انّ طائفة من الآيات دلت علىٰ أنّ الجزاء يوم القيامة أمر جعلي أشبه بمجازات المجرمين أو بإثابة المطيعين ، فعلىٰ ذلك يكون الجزاء أمراً خارجاً عن نطاق عمل الإنسان بل مفروضاً عليه من الخارج.
وبعبارة أُخرى : انّ القول بأنّ الجزاء يكمن في تمثّل عمل الإنسان بالجنة والنار يخالف مع ما دلّت عليه بعض الآيات من وجود جنة وجحيم خارج إطار عمل الإنسان من خير وشر ، وإنّما خلقهما الله سبحانه للمطيعين أو المذنبين قبل أن يخلق المطيع والعاصي ، فكيف يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين من الآيات ؟
والجواب : انّ القرآن الكريم نزل من الله سبحانه : علىٰ قلب سيد المرسلين دون أن يكون فيه أي اختلاف ، وذلك آية انّه كلام الله سبحانه المنزّه من الخطأ والاشتباه والتناقض والتعارض ، يقول سبحانه : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ