وهذا لا يخالف اقتضاء مصالح معيّنة ، أن يذوق البعض النادر منهم حياتين ، وسيوافيك الكلام في ذلك عند البحث في الحياة البرزخية.
روى المفسرون انّ رجلاً من بني إسرائيل قتل أحد أبناء عمومته ليرثه وأخفىٰ قتله له ، ورغب اليهود في معرفة قاتله ، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوا بعض القتيل ببعض البقرة ليحيا ويخبر عن اسم قاتله ، وقاموا بذبح تلك البقرة بعد ان طرحوا عدّة تساؤلات على موسى تعرب عن لجاجهم وعنادهم ، ثمّ ضربوا بعض القتيل بها ، فقام حيّاً وأوداجه تشخب دماً ، وقال : قتلني « فلان بن عمي » ثمّ قُبض ، يقول سبحانه :
( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ * ... وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ). (١)
كان الهدف من وراء ذبح البقرة وضرب القتيل ببعضها ، أُمور :
الأوّل : أن يعرف القاتل بالأُسلوب الذي جاء في الآية.
الثاني : أن يزداد إيمان بني إسرائيل بالبعث والنشر ، وانّه سبحانه قادر على إحياء الموتىٰ كما أحيا المقتول في المقام.
الثالث : أمرهم بذبح البقرة بأيديهم ، لأنّ بني إسرائيل كانوا قد أُشربوا بعبادة العجل ، كما يقول الذكر الحكيم : ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) (٢) ، فذبح العجل بأيديهم صار آية على تحقير معبودهم لئلاّ يرجعوا إلىٰ
__________________
١. البقرة : ٦٧ ـ ٧٣. |
٢. البقرة : ٩٣. |