عبادته من جديد.
هذا ما استظهره جمهور المفسرين من الآية الكريمة بيد انّ صاحب المنار اتخذ موقفاً سلبياً حيال الآية تعرب عن انفراده بتفسير آخر ، فقال بعد ما ذكر نظرية جمهور المفسرين : والظاهر ممّا قدمنا انّ ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل ، إذا وجد القتيل قرب بلد ولم يعرف قاتله ، ليعرف الجاني من غيره ، فمن غسل يده وفعل ما رُسِم لذلك في الشريعة ، برئ من الدم ، ومن لم يفعل ، ثبتت عليه. ومعنى إحياء الموتىٰ على هذا ، حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تُسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس ، أي يحييها بمثل هذه الأحكام ، وهذا الإحياء علىٰ حد ، قوله تعالى :
( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) (١) وقوله : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) (٢). (٣)
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ هذا التفسير لا ينطبق علىٰ قوله : ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ) ، فانّ معناه : اضربوا بعض النفس المقتولة ببعض جسم البقرة ، وأين هذا من غسل أيدي المتهمين في دم الرجل المقتول ، فهل غسل الأيدي في دمها عبارة عن ضرب المقتول ببعض البقرة ؟
وثانياً : أنّه سبحانه يقول : ( كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ). فالقصة تتضمن آية من آيات الله ، ومعجزة من المعاجز ، فهل في غسل الأيدي بدم العجل ودرء التهمة عن المتهم إراءة للآيات الإلهية.
وثالثاً : أنّ تفسير الآية بالاستناد إلى الإسرائيليات والمسيحيات ، مسلك
__________________
١. المائدة : ٣٢.
٢. البقرة : ١٧٩.
٣. تفسير المنار : ١ / ٣٤٥ ـ ٣٥١.