ربّما يواجه ظروفاً وعوامل خاصّة تنقص من ذلك العمر المفيد ، كما أنّه ربما يجتازه لأجل رعاية الأساليب الفنية في استخدام ذلك المصنوع.
الموت يلازم رفع الحجب المادية عن البصر ، فيرى الإنسان المحتضر مصيره بأُمِّ عينيه ، فالصالحون يرون روحاً وريحاناً وحياة فيستقبلون الموت بوجوه مشرقة وصدور رحبة ، وأمّا الظالمون المستكبرون فيلمسون حياة مريرة تعانق الآلام والنيران فيحاولون جهد إمكانهم أن يدّاركوا ما اقترفوه من الآثام بالتوبة والندامة ليتخلّصوا بذلك من العذاب الأليم ، ولات حين مناص ، فلا تنفع الندامة لأنّ الهدف من التوبة هو طهارة الروح من أدران المعصية والآثام وهذه الأمنية رهن صدور التوبة عن اختياره ورغبته إلى الطهارة ، وهذا غير متحقق في حال الاحتضار ، لأنّه يتوب ويندم بلا اختيار.
وبعبارة أُخرى : التائب إنّما تقبل توبته إذا كان أمامه طريقان فينتخب الطريق الحقّ باختياره ، وهذا إنّما يتيسر له ذلك في ثنايا حياته لا في حال الاحتضار الذي يسلب عنه اختياره ، ولذلك يقول سبحانه : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ) (١) وفي آية أُخرى : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاًّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ). (٢)
إنّ فرعون مصر لما كاد أن يغرق ، ورأى مصيره المرير حاول أن يتوب ويظهر إيمانه بربّ موسى ولكنّه جُوبه بالرفض والاستنكار ، قال سبحانه : ( حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ
__________________
١. النساء : ١٨.
٢. المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠.