فقاموا بحقوق أنفسهم واستغلوا في ذلك. (١)
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ الظاهر انّ الآية تبيّن قصة واحدة ، وهي فرار قوم من الموت ، فأماتهم الله ، ثمّ أحياهم ، لا قصتين. بمعنى تشبيه من لم يدافعوا عن عزتهم ، وغُلبوا ، وبقوا كذلك حتى نفث في روعهم روح النهضة ، فقاموا للدفاع ، بقوم فرّوا من الموت الحقيقي ، فأماتهم الله موتاً حقيقياً ، ثمّ أحياهم ، ولو كانت الآية جارية مجرى المثل لوجب أن يكون هناك مشبه ومشبه به ، مع أنّ الآية لا تحتمل ذلك.
ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه عندما يريد التمثيل بمضمون آية ، يأتي بلفظ « مثل » ، ويقول : ( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) (٢) و ( إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ ) (٣) و ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ). (٤)
وثانياً : لو كان المراد من الموت ، موت الخزي ، ومن الحياة ، روح النهضة ، للزم على الله سبحانه مدحهم وذكرهم بالخير ، مع أنّه يذمهم في ذيل الآية ، فانّ فيها : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ). (٥)
ثمّ إنّ صاحب المنار استعان في ردّ نظرية الجمهور ، بقوله سبحانه : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلاَّ المَوْتَةَ الأُولَىٰ ) (٦) فلا حياة في هذه الدنيا إلاّ حياة واحدة. (٧)
ولكن عزب عنه انّ ما جاء في الآية يدلّ على سنّة الله تعالى في عموم الناس ،
__________________
١. لاحظ تفسير المنار : ٢ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩. |
٢. البقرة : ١٧. |
٣. يونس : ٢٤. |
٤. الجمعة : ٥. |
٥. النمل : ٧٣. |
٦. الدخان : ٥٦. |
٧. تفسير المنار : ٢ / ٤٥٩.