عقولهم عن فهم الكمالات الحقيقية واللذات العقلية وتقتصر على ما ألّفوه من اللذات والآلام الحسية وعرفوه من الكمالات والنقصانات البدنية ، فوجب أن تخاطبهم الأنبياء بما هو مثال للمعاد الحقيقي ترغيباً وترهيباً للعوام وتتميماً لأمر النظام ، وهذا ما قاله أبو نصر الفارابي إنّ الكلام مثل.
قلنا : إنّما يجب التأويل عند تعذر الظاهر ، ولا تعذر هاهنا سيما على القول بكون البدن المعاد مثل الأوّل لا عينه. وما ذكرتم من حمل كلام الأنبياء ونصوص الكتاب على الإشارة إلىٰ مثال معاد النفس والرعاية للمصلحة العامة ، نسبة للأنبياء إلى الكذب فيما يتعلّق بالتبليغ والقصد إلى تضليل أكثر الخلائق والتعصب طول العمر لترويج الباطل وإخفاء الحقّ لأنّهم لا يفهمون إلاّ هذه الظواهر التي لا حقيقة لها عندكم.
نعم لو قيل : إنّ هذه الظواهر مع إرادتها من الكلام وثبوتها في نفس الأمر ، مثل للمعاد الروحاني واللذات والآلام العقلية ، وكذا أكثر ظواهر القرآن على ما يذكره المحقّقون من علماء الإسلام ، لكان حقاً لا ريب فيه ولا اعتداد بمن ينفيه. (١)
إنّ ما ذكره سعد الدين التفتازاني كلام حقّ لا سترة عليه ، وهو الموافق للقرآن الكريم.
ونضيف إلىٰ كلامه أمرين :
الأوّل : انّ القرآن يطرح إمكان المعاد من خلال بيان قصص تتضمن عود الموتى إلى الحياة ، كقصة إبراهيم ، وعزير ، وأُمّة من بني إسرائيل ، وقصة البقرة ، وغيرها ، فلا يمكن أن تفسر تلك البراهين بالمثَل.
__________________
١. شرح المقاصد : ٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣ ، ط الآستانة.