ونحن رأينا كثيراً من المنتسبين إلى العلم والشريعة انقبضوا عن إثبات عالم التجرّد واشمأزّت قلوبهم عن ذكر العقل والنفس والروح ، ومدح ذلك العالم وخدمة الأجساد وشهواتها المحسوسة ودثورها وانقطاعها وأكثرهم توهموا الآخرة كالدنيا ونعيمها كنعيم الآخرة إلاّ أنّها أوفر وأدوم وأبقى. (١)
وحاصل هذه الشبهة يرجع إلى أمرين :
أ. انّ إنكار المشركين المعاد لأجل كون الحياة الأُخروية فوق الحس ، وهذا لا ينسجم مع كون المعاد عنصرياً.
ب. هؤلاء المنكرون لفرط حبهم بالبدن وآثاره كان من الصعب عليهم تركها وطلب نشأة تضاد هذه النشأة.
يلاحظ على الأمر الأوّل : أنّ المشركين كانوا يستوحشون من إحياء البدن العنصري تارة أُخرى ، ولأجل ذلك كانوا ينسبون القائل بذلك إلىٰ الجنون و الخلط.
إنّ إحياء الأموات ليس أمراً سهلاً حتى يصدقه كلّ من خوطب به ، بل أمر يصعب فهمه على السذج من العقول يقول سبحانه : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ) (٢) فالذي كانت تستغربه الأفهام الساذجة هو إحياء البدن البالي ، وهذا ينسجم مع المعاد العنصري.
ولأجل رفع تعجبهم وتقريب المطلب إلى أفهامهم يضرب القرآن بكلّ مثل في هذا الباب كما سبق ذكره.
__________________
١. الأسفار : ٩ / ١٥٧ ـ ١٥٨.
٢. سبأ : ٧ ـ ٨.