النطفة بدناً سوياً تتعلّق بها الروح من العالم العلوي ، وعند ذلك يلزم تعلّق نفسين إحداهما النفس المستنسخة ، والثانية النفس التي استعدت لهبوطها إلى البدن.
ولكن الشبهة طبقاً لهذا الأصل أيضاً غير صحيحة ، إذ لا صلة بين الروح الثانية وهذا البدن ، مع وجود الصلة بين البدن السوي والروح المستنسخة.
وعلى كلّ حال ، فلنعطف أنظار القارئ إلىٰ هذه النكتة وهي انّ المعاد العنصري خالٍ عن المفاسد المترتبة على القول بالتناسخ.
لأنّ القول بالتناسخ منطق المنكرين للمعاد ، فعود الإنسان إلىٰ هذه الدار مرّة تلو أُخرى سيَخْلِفُ القول بالمعاد ويغني عن الإيمان به ، ولا أثر لهذا المنطق في القول بالمعاد في النشأة الأُخرى.
كما أن القول بالتناسخ يستلزم تعلّق نفسين ببدن واحد ، لأنّ التناسخ هو عود الإنسان عن طريق تعلّق الروح بالنطفة وتكاملها وحركتها وبلوغها إلىٰ أن تتبدل إلى روح مجرّدة فهذا يستلزم تعلّق نفسين ببدن واحد ، إحداهما النفس المستنسخة ، والأُخرى النفس المتولّدة من الحركة الجوهرية الثانية. وهو محال ، لأنّ النفس المستنسخة حينما تركت البدن كانت نفساً كاملة مدركة للكليات ، فكيف يمكن أن تتعلّق تلك النفس مع ما لها من المنزلة ، بخلية في الرحم أي بالعلقة والمضغة حتى تمرّ على هذه المراحل ويكون البدن سوياً قابلاً لتعلّق المستنسخة به ؟!
والعجب انّه قدسسره قد تنبه إلى بعض ما ذكرنا ، حيث قال : إنّ منشأ حدوث النفس وما يجري مجراها هو الحركة الجوهرية الذاتية الاستكمالية لمادة ما في الصور الجوهرية علىٰ سبيل الترقي من الأدنىٰ إلى الأعلىٰ حتىٰ يقع انتهاء الأكوان الصورية إلى النفس وما بعدها. (١)
__________________
١. الأسفار : ٩ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.