وذهاب قواه فهو أمر عدمي بلا شك ، لأنّ مرجعه إلىٰ فقدان القوىٰ ، وهو أمر غير وجوديّ ، وعلى الرغم من ذلك يمكن تناول الموت من منظار آخر :
١. أخذ القوى والطاقات ، فلا شكّ انّه أمر وجودي ، لأنّه فعل وحركة وإن كانت نتيجته عروض حالة عدمية على الإنسان.
٢. الموت لا بما انّه نهاية الحياة الدنيوية بل بما انّه انتقال من مرحلة إلىٰ مرحلة أُخرى ، ومن حياة دانية إلىٰ حياة عالية ، فهو بهذا المعنى ليس أمراً عدميّاً ، قال علي عليهالسلام : « أيّها الناس إنّا وإيّاكم خلقنا للبقاء لا للفناء ، لكنّكم من دار إلى دار تنقلون ». (١)
وقال الإمام الحسين سيّد الشهداء عليهالسلام لأصحابه يوم عاشوراء عند ما رأى استعدادهم للتضحية والفداء في سبيل الحق وخاطبهم بقوله : « صبراً بني الكرام ، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسع والنعيم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، انّ أبي حدثني عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : انّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كُذبت ». (٢)
٣. ربما يضاف الموت إلى البدن وأُخرى إلى الروح ، ففي الإضافة الأُولى يكون الموت أمراً عدمياً ، لأنّ البدن يفقد الحركة والانتقال ، ولكنّه في الإضافة الثانية أمر وجودي ، وهو عبارة عن انتقاله من عالم إلى آخر ، ولا يفقد الروح شيئاً ، ولأجل ذلك نرى أنّ الموت أُضيف في القرآن إلى البدن دائماً لا إلى الروح.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ القرآن يعدّ الموت مخلوقاً لله كالحياة ويقول :
__________________
١. الإرشاد للمفيد : ١٢٧.
٢. البحار : ٦ / ١٥٤.