بالجنين السويّ يلزم تنزله من المقام الأعلىٰ إلى المقام الأدنى حتى ينسجم مع البدن ، وإلاّ لكان التعلّق أمراً محالاً لعدم الإنسجام بين البدن والروح. وهذا الإشكال هو الذي حاول الشيخ الرئيس أن يجيب عنه بعدما طرح الإشكال مبسطاً ، وقال في قصيدته المعروفة بالعينيّة :
هبطت إليك من المحل الأرفع |
|
ورقاء ذات تعزِّز وتمنِّع |
محجوبة عن كلّ مقلة عارف |
|
وهي التي سفرت ولم تتبرقع |
وصلت على كره إليك وربما |
|
كرهت فراقك وهي ذات تفجع |
انفت وما ألفت فلمّا واصلت |
|
ألفت مجاورة الخراب البلقع |
واظنها نسيت عهوداً بالحمى |
|
ومنازلاً بفراقها لم تقنع (١) |
إلى آخر ما قال ...
إنّ الإشكال مبني علىٰ أنّ الروح بخروجها عن البدن موجود متكامل ومجرّد محض ، ليس فيها أيّة قوة وطاقة فلذلك تفقد ملاك تعلّقها بالبدن ، وأمّا إذا قلنا بانّ النفس في هذه الدنيا مجرّد ممزوج مع القوة ، فهي بما انّها تتأثر باللذائذ والآلام المادية ، موجود طبيعي ، وبما أنّها تخلق صوراً بلا مادة كالصورة الذهنية موجود مثالي ، وبما انّها تدرك المفاهيم الكلية والحقائق المرسلة موجود عقلاني.
فعلىٰ ذلك فإنّ النفس لها أُصول في العوالم الثلاثة ، فلا مانع من أن تتعلّق بالبدن المادي والهوية الطبيعية.
لا شكّ انّ الحياة الأُخروية أكمل من الحياة الدنيوية ، لكن مدار الكمال ليس كون إحداهما مادية والأُخرى مجرّدة كاملة ، وإنّما يتحقّق التفاوت بأُمور أُخرى
__________________
١. الكنى والألقاب : ١ / ٣٢١.