لا غبار في الأوّل والثالث لقيام العرض في موضوعه.
إنّما الكلام في واقع العرض حال الانتقال فيلزم في هذه الحال قيام العرض بلا موضوع ، وهو من الاستحالة بمكان.
وأمّا في الصورة الثانية ، أعني : تعلّق النفس التي لها حظ من التجرّد ، بالبدن استمراراً ، وهذا أيضاً محال ، لأنّه يلزم أن لا يصل الموجود القابل ، إلىٰ كماله مع أنّ له قابلية الوصول ، لأنّ النفس مجرّدة ذاتاً ومادية فعلاً ، فلو كان تعلّقها بالمادة دائمياً يلزم أن يكون فعله سبحانه على خلاف عنايته من إيصال كلّ موجود إلى كماله.
يقول صدر المتألّهين في بيان الشقين : إنّ النفس إمّا أن تكون منطبعة في الأبدان ، أو مجرّدة ، وكلاهما محال ، أمّا الأوّل فلما عرفت من استحالة انطباع النفوس الإنسانية ، ومع استحالته مناف لمذهبهم أيضاً لامتناع انتقال المنطبعات صوراً كانت أو اعراضاً من محلّ إلى محل آخر مبائن للأوّل.
وأمّا الثاني فانّ العناية الإلهية تأبىٰ ذلك ، لأنّها مقتضية لإيصال كلّ موجود إلىٰ غايته وكماله ، وكمال النفس المجردة إمّا العلمي فبصيرورتها عقلاً مستفاداً فيها صور جميع الموجودات ، وإمّا العملي فبانقطاعها عن هذه التعلّقات وتخليتها عن رذائل الأخلاق ومساوئ الأعمال ، وصفاء مرآتها عن الكدورات ، فلو كانت دائمة التردد في الأجساد من غير خلاص إلى النشأة الأُخرى ولا اتصال إلى ملكوت ربّنا الأعلىٰ كانت ممنوعة عن كمالها اللائق بها أبد الدهر والعناية تأبى ذلك. (١)
وما ذكره قدسسره في الفرض الثاني لا يخلو عن مناقشة ، لأنّ تعلّق النفس بالبدن لا يكون مانعاً عن سيرها وصعودها نحو الكمال ، وإلاّ يلزم أن يكون تعلّق النفس بالبدن في النشأة الأُخرى مانعاً عن سيرها التكاملي ، مع أنّك عرفت تضافر الآيات
__________________
١. الأسفار : ٩ / ٧.