بالرجوع عن الحرب فقد نجت العير : «لا لن نرجع حتى نرد بدرا ، فنقيم ثلاثا ، ننحر الجزر ، ونشرب الخمر ، وتعزف القيان علينا ، فلن تزال العرب تهابنا أبدا».
وعند ما بلغت مقالة أبى جهل أبا سفيان قال : «وا قوماه!! هذا عمل عمرو بن هشام «يعنى أبا جهل» كره أن يرجع ؛ لأنه ترأس على الناس فبغى ، والبغي منقصة وشؤم. إن أصاب محمد النفير ذللنا».
وصدقت فراسة أبى سفيان ، فقد أصاب محمد صلىاللهعليهوسلم النفير وتسر بل المشركون بالذل والهوان في بدر بسبب بطرهم وريائهم وصدهم عن سبيل الله ، واتباعهم لخطوات الشيطان.
فاللهم نسألك أن توفقنا إلى ما يرضيك ، وأن تجنبنا البطر والرياء وسوء الأخلاق.
وبعد هذا البيان لأحوال الكافرين في حياتهم ؛ انتقل القرآن لبيان أحوالهم عند مماتهم.
فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٥١)
والخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَرى ..) للنبي صلىاللهعليهوسلم أو لكل من يصلح للخطاب و (لَوْ) شرطية ، وجوابها محذوف لتفظيع الأمر وتهويله.
والمراد بالذين كفروا : كل كافر ، وقيل المراد بهم قتلى غزوة بدر من المشركين.
قال ابن كثير : وهذا السياق وإن كان سببه غزوة بدر ، ولكنه علم في حق كل كافر. ولهذا لم يخصصه الله بأهل بدر بل قال ـ سبحانه ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ...) (١).
والفعل المضارع هنا وهو (تَرى) بمعنى الماضي ، لأن لو الامتناعية ترد المضارع ماضيا.
والفعل (يَتَوَفَّى) فاعله محذوف للعلم به وهو الله ـ عزوجل ـ وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) هو المفعول وعليه يكون : (الْمَلائِكَةُ) مبتدأ ، وجملة (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ ...) خبر.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣١٩.