وقوله (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) بيان للمستحقين لولاية البيت الحرام ، بعد نفيها عن المشركين.
أى : إن هؤلاء المشركين ليسوا أهلا لولاية البيت الحرام ، وليسوا أهلا لأن يكونوا أولياء لله ـ تعالى ـ بسبب كفرهم وجحودهم ، وإنما المستحقون لذلك هم المتقون الذين صانوا أنفسهم عن الكفر وعن الشرك وعن كل ما يغضب الله ، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون ذلك بسبب جهلهم وتماديهم في الجحود والضلال.
وقد جاءت جملة (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) مؤكدة بأقوى ألوان التأكيد ، لنفى كل ولاية على البيت الحرام سوى ولايتهم هم.
ونفى ـ سبحانه ـ العلم عن أكثر المشركين ، لأن قلة منهم كانت تعلم أنه لا ولاية لها على المسجد الحرام ولكنها كانت تجحد ذلك عنادا وغرورا. أو أن المراد بالأكثر الكل ، لأن للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام ، كما أن الأقل قد لا يعتبر فينزل منزلة العدم.
ثم حكى ـ سبحانه ـ لونا آخر من ألوان ضلال هؤلاء المشركين وجحودهم فقال : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ، فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
قال القرطبي ما ملخصه : قال ابن عباس : كانت قريش تطوف بالبيت عراة ، يصفقون ويصفرون ، فكان ذلك عبادة في ظنهم.
والمكاء : الصفير. يقال مكا يمكو مكوا ومكاء إذا صفر.
والتصدية : التصفيق. يقال : صدى يصدى تصدية إذا صفق.
قال قتادة : المكاء : ضرب بالأيدى ، والتصدية : الصياح. (١) والمعنى : أن هؤلاء المشركين لم تكن صلاتهم عند البيت الحرام إلا تصفيقا وتصفيرا ، وهرجا ومرجا لا وقار فيه ، ولا استشعار لحرمة البيت ، ولا خشوع لجلالة الله ـ تعالى ـ ، وذلك لجهلهم بما يجب عليهم نحو خالقهم ، ولحرصهم على أن يسيئوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يقرأ القرآن ، أو وهو يطوف بالبيت ، أو وهو يؤدى شيئا من شعائر الإسلام وعباداته. فقد حكى القرآن عنهم أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالصياح والغناء ليمنعوا الناس من سماعه. قال ـ تعالى ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (٢).
وروى ابن جرير أن ابن عمر حكى فعلهم ، فصفر ، وأمال خده وصفق بيديه.
وقال مجاهد إنهم كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا على النبي صلىاللهعليهوسلم صلاته.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٧ ص ٤٠.
(٢) سورة فصلت ، الآية ٢٦.