بسبب إقامتهم في أرض الشرك وتحت سلطانه ـ أصبحوا لا يملكون وسائل المناصرة لكم.
ثم قال ـ تعالى : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ).
أى : وإن طلب منكم هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة على أعدائكم في الدين ، فيجب عليكم أن تنصروهم ، لأنهم إخوانكم في العقيدة ، بشرط ألا يكون بينكم وبين هؤلاء الأعداء عهد ومهادنة ، فإنكم في هذه الحالة يحظر عليكم نصرة هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا ، لأن في نصرتهم ـ على من بينكم وبينهم عهد ـ نقضا لهذا العهد.
أى : إن نصرتكم لهم إنما تكون على الكفار الحربيين لا على الكفار المعاهدين وهذا يدل على رعاية الإسلام للعهود ، واحترامه للشروط والعقود.
قال الجمل : أثبت الله ـ تعالى ـ للقسمين الأولين النصرة والإرث ، ونفى عن هذا القسم الإرث وأثبت له النصرة (١).
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تذييل قصد به الترغيب في طاعة الله ، والتحذير من معصيته.
أى : والله ـ تعالى ـ مطلع على كل أعمالكم فأطيعوه ، ولا تخالفوا أمره.
قبل أن تذكر السورة القسم الرابع من أقسام المؤمنين ، تتحدث عن ولاية الكفار بعضهم لبعض فتقول : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ).
أى : والذين كفروا بعضهم أولياء بعض في النصرة والتعاون على قتالكم وإيذائكم ـ أيها المؤمنون ـ فهم وإن اختلفوا فيما بينهم إلا أنهم يتفقون على عداوتكم وإنزال الاضرار بكم.
وقوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) تحذير شديد للمؤمنين عن مخالفة أمره ـ سبحانه ـ.
أى : إلا تفعلوا ـ أيها المؤمنون ـ ما أمرتكم به من التناصر والتواصل وتولى بعضكم بعضا ، ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار ، تحصل فتنة كبيرة في الأرض ، ومفسدة شديدة فيها ، لأنكم إذا لم تصيروا يدا واحدة على الشرك ، يضعف شأنكم ، وتذهب ريحكم ، وتسفك دماؤكم ويتطاول أعداؤكم عليكم ، وتصيرون عاجزين عن الدفاع عن دينكم وعرضكم .. وبذلك تعم الفتنة ، وينتشر الفساد.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٥٩.