يخشى منه ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ...) (١) ، وقوله ـ تعالى ـ (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ ...) (٢).
ولقد كانت المدينة مأوى وملجأ للمهاجرين ، وكان أهلها مثالا للكرم والإيثار ...
ثانيهما : النصرة ، لأن أهل المدينة قد نصروا الرسول صلىاللهعليهوسلم والمهاجرين بكل ما يملكون من وسائل التأييد والمؤازرة ، فقد قاتلوا من قاتلهم ، وعادوا من عاداهم ، ولذا جعل الله ـ تعالى ـ حكمهم وحكم المهاجرين واحدا فقال : (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).
فاسم الإشارة يعود إلى المهاجرين السابقين ، وإلى الأنصار.
وقوله : (أَوْلِياءُ) جمع ولى ويطلق على الناصر والمعين والصديق والقريب ...
والمراد بالولاية هنا : الولاية العامة التي تتناول التناصر والتعاون والتوارث ..
أى : أولئك المذكورون الموصوفون بهذه الصفات الفاضلة يتولى بعضهم بعضا في النصرة والمعاونة والتوارث .. وغير ذلك ، لأن حقوقهم ومصالحهم مشتركة.
قال الآلوسى ما ملخصه : «روى عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم آخى بين المهاجرين والأنصار ، فكان المهاجر يرثه أخوه الأنصارى ، إذا لم يكن له بالمدينة ولى مهاجرى وبالعكس ، واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة .. وعليه فالآية منسوخة بقوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ..).
وقال الأصم : الآية محكمة ، والمراد الولاية بالنصرة والمظاهرة (٣).
والذي نراه أن الولاية هنا عامة فهي تشمل كل ما يحتاج إليه المسلمون فيما بينهم من تعاون وتناصر وتكافل وتوارث وغير ذلك ..
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ..) بيان لحكم القسم الثالث من أقسام المؤمنين في العهد النبوي ..
أى : هذا الذي ذكرته لكم قبل ذلك في الآية هو حكم المهاجرين السابقين والأنصار الذي آووهم ونصروهم أما حكم الذين آمنوا ولم يهاجروا ، وهم المقيمون في أرض الشرك تحت سلطان المشركين وحكمهم. فإنهم ليس بينهم وبين المهاجرين والأنصار ولاية إرث (حَتَّى يُهاجِرُوا) إلى المدينة ، كما أنكم ـ أيها المؤمنون ـ لا تنتظروا منهم تعاونا أو مناصرة ، لأنهم
__________________
(١) سورة الكهف الآية ١٠.
(٢) سورة يوسف الآية ٦٩.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٣٧.