(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ..).
قوله : (رَجَعَكَ) من الرجع بمعنى تصيير الشيء إلى المكان الذي كان فيه أولا. والفعل رجع أحيانا يستعمل لازما كقوله ـ تعالى ـ : (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً ..).
وفي هذه الحالة يكون مصدره الرجوع ، وأحيانا يستعمل متعديا كالآية التي معنا ، وكقوله ـ تعالى ـ : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ..) وفي هذه الحالة يكون مصدره الرجع لا الرجوع.
قال الآلوسى : و «رجع» هنا متعد بمعنى رد ومصدره الرجع ، وقد يكون لازما ومصدره الرجوع ، وأوثر هنا استعمال المتعدى ـ وإن كان استعمال اللازم كثيرا ـ إشارة إلى أن ذلك السفر لما فيه من الخطر يحتاج الرجوع منه إلى تأييد إلهى ، ولذا أوثرت كلمة «إن» على «إذا» (١).
والمعنى : فإن ردك الله ـ تعالى ـ من سفرك هذا ـ أيها الرسول الكريم ـ إلى طائفة من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك إلى تبوك «فاستأذنوك للخروج» معك في غزوة أخرى بعد هذه الغزوة «فقل» لهم على سبيل الإهانة والتحقير «لن تخرجوا معى أبدا» مادمت على قيد الحياة «ولن تقاتلوا معى عدوا» من الأعداء الذين أمرنى الله بقتالهم ، والسبب في ذلك «إنكم» أيها المنافقون «رضيتم بالقعود» عن الخروج معى وفرحتم به في «أول مرة» دعيتم فيها إلى الجهاد ، فجزاؤكم وعقابكم أن تقعدوا «مع الخالفين» أى : مع الذين تخلفوا عن الغزو لعدم قدرتهم على تكاليفه كالمرضى والنساء والصبيان. أو مع الأشرار الفاسدين الذين يتشابهون معكم في الجبن والنفاق وسوء الأخلاق.
قال الإمام الرازي ما ملخصه ، ذكروا في تفسير الخالف وجوها :
الأول : قال أبو عبيدة الخالفون جمع ، واحدهم خالف ، وهو من يخلف الرجل في قومه ، ومعناه : فاقعدوا مع الخالفين من الرجال الذين يخلفون في البيت فلا يبرحونه.
الثاني : أن الخالفين فسر بالمخالفين ، يقال : فلان خالفة أهل بيته إذا كان مخالفا لهم ، وقوم خالفون أى : كثير والخلاف لغيرهم.
الثالث : أن الخالف هو الفاسد. قال الأصمعى : يقال : خلف عن كل خير يخلف خلوفا إذا فسد ، وخلف اللبن إذا فسد.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢ ص ١٥٢.