لَرَسُولُهُ ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
وقوله : (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) استدراك للرد عليهم فيما قالوه وأقسموا عليه كذبا وزورا.
وقوله : (يَفْرَقُونَ) من الفرق ، بمعنى الفزع الشديد من أمر يتوقع حصوله.
يقال : فرق فرقا إذا اشتد خوفه وهلعه.
أى : أن هؤلاء المنافقين لشدة خوفهم وهلعهم ـ أيها المؤمنون ـ يحلفون لكم كذبا وزورا بأنهم منكم ، والحق أنهم ما هم منكم ، ولكنهم قوم جبناء. لا يستطيعون مصارحتكم بالعداوة ، ولا يجرؤون على مجابهتكم بما تخفيه قلوبهم لكم من بغضاء.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ ...) تأكيد لما كان عليه أولئك المنافقون من جبن خالع.
والملجأ : اسم للمكان الذي يلجأ إليه الخائف ليحتمى به سواء أكان حصنا أو قلعة أو غيرهما.
والمغارات : جمع مغارة وهي المكان المنخفض في الأرض أو في الجبل. قال بعضهم : والغور ـ بفتح الغين ـ من كل شيء قعره. يقال : غار الرجل غورا إذا أتى الغور وهو المنخفض من الأرض (١).
والمدخل ـ بتشديد الدال اسم للموضع الذي يدخلون فيه ، بصعوبة ومشقة لضيقه ، كالنفق في الأرض.
وقوله : (يَجْمَحُونَ) أى : يسرعون أشد الإسراع مأخوذ من الجموح وهو أن يغلب الفرس صاحبه في سيره وجريه. يقال : جمح الفرس براكبه جموحا ، إذا استعصى عليه حتى غلبه.
والمعنى : أن هؤلاء المنافقين لو يجدون حصنا يلتجئون إليه أو مغارات يستخفون فيها. أو سردابا في الأرض ينجحرون فيه ، لأقبلوا نحوه مسرعين أشد الإسراع دون أن يردهم شيء ، كالفرس الجموح الذي عجز صاحبه عن منعه من النفور والعدو.
فالآية الكريمة تصوير معجز لما كان عليه أولئك المنافقون من خوف شديد من المؤمنين ،
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٩٠.