والنفاق ، والفسوق والعصيان ، والله ـ تعالى ـ لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
وقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أى : الكاملون في الخسران ، الجامعون لكل ما من شأنه أن يؤدى إلى البوار والهلاك.
ثم ساق لهم ـ سبحانه ـ من أخبار السابقين ما فيه الكفاية للعظة والاعتبار لو كانوا يعقلون ، فقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ ...).
والاستفهام للتقرير والتحذير. والمراد بنبإ الذين من قبلهم : أخبارهم التي تتناول أقوالهم وأعمالهم ، كما تتناول ما حل بهم من عقوبات ، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم.
والمعنى : ألم يصل إلى أسماع هؤلاء المنافقين ، خبر أولئك المهلكين من الأقوام السابقين بسبب عصيانهم لرسلهم ، ومن هؤلاء الأقوام «قوم نوح» الذين أغرقوا بالطوفان ، وقوم «عاد» الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية ، وقوم «ثمود» الذين أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ، «وقوم إبراهيم» الذين سلب الله نعمه عنهم ، وأذل غرور زعيمهم الذي حاج إبراهيم في ربه ، «وأصحاب مدين» وهم قوم شعيب الذين أخذتهم الصيحة ، «والمؤتفكات» وهم أصحاب قرى قوم لوط ، التي جعل الله عاليها سافلها ...
والائتفاك : معناه الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفله. يقال : أفكه يأفكه إذا قلبه رأسا على عقب.
وذكر ـ سبحانه ـ هنا هذه الطوائف الست ، لأن آثارهم باقية ، ومواطنهم هي الشام والعراق واليمن ، وهي مواطن قريبة من أرض العرب ، فكانوا يمرون عليها في أسفارهم ، كما كانوا يعرفون الكثير من أخبارهم.
قال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١).
وقوله : (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) كلام مستأنف لبيان أنبائهم وأخبارهم.
أى : أن هؤلاء الأقوام المهلكين السابقين ، قد أتتهم رسلهم بالحجج الواضحات الدالة على وحدانية الله وعلى وجوب إخلاص العبادة له ..
والفاء في قوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) للعطف على كلام مقدر يدل عليه المقام.
أى : أتتهم رسلهم بالبينات ، فكذبوا هؤلاء الرسل ، فعاقبهم الله ـ تعالى ـ على هذا التكذيب. وما كان من سنته ـ سبحانه ـ ليظلمهم ، لأنه لا يظلم الناس شيئا «ولكن كانوا
__________________
(١) سورة الصافات. الآيتان ١٣٧ ؛ ١٣٨.