وقوله : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) معطوف على ما قبله.
أى : وخضتم ـ أيها المنافقون ـ في حمأة الباطل وفي طريق الغرور والهوى ، كالخوض الذي خاضه السابقون من الأمم المهلكة.
قال الآلوسى قوله : «وخضتم» أى : دخلتم في الباطل «كالذي خاضوا».
أى : كالذين فحذفت نونه تخفيفا ، كما في قول الشاعر :
إن الذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كل القوم يا أم خالد |
ويجوز أن يكون «الذي» صفة لمفرد اللفظ ، مجموع المعنى ، كالفوج والفريق ، فلوحظ في الصفة اللفظ. وفي الضمير المعنى ، أو هو صفة لمصدر محذوف ، أى : كالخوض الذي خاضوه ، ورجح بعدم التكلف فيه (١).
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : أى فائدة في قوله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) وقوله : (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) مغن عنه كما أغنى قوله : (كَالَّذِي خاضُوا) عن أن يقال : وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا؟
قلت : فائدته أن يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ورضاهم بها ، والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة ، وطلب الفلاح في الآخرة ، وأن يخسس أمر الاستمتاع ، ويهجن أمر الرضا به ، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم ، كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول : أنت مثل فرعون : كان يقتل بغير جرم ، ويعذب ويعسف وأنت تفعل مثل ما فعله.
وأما «وخضتم كالذي خاضوا» فمعطوف على ما قبله مستند إليه ، مستغن باستناده إليه عن تلك التقدمة» (٢).
وقوله : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) بيان لسوء مصيرهم في الدارين.
واسما الإشارة يعودان على المتصفين بتلك الصفات القبيحة من السابقين واللاحقين.
أى : أولئك المستمتعون بنصيبهم المقدر لهم في الشهوات الخسيسة ، والخائضون في الشرور والآثام «حبطت أعمالهم» أى : فسدت وبطلت أعمالهم التي كانوا يرجون منفعتها «في الدنيا والآخرة» لأن هذه الأعمال لم يكن معها إيمان أو إخلاص ، وإنما كان معها الرياء
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١٣٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٧٨.