إياهم النصر على أعدائهم ، فقد أخرج البيهقي في الدلائل أن الملك كان يأتى الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول له : أبشروا فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم. كروا عليهم.
وقال الزجاج : كان بأشياء يلقونها في قلوبهم تصح بها عزائمهم ويتأكد جدهم. وللملك قوة إلقاء الخير في القلب ويقال له إلهام ، كما أن للشيطان قوة إلقاء الشر ويقال له وسوسة ، (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) بشارة عظيمة للمؤمنين.
أى : سأملأ قلوب الكافرين بالخوف والفزع منكم ـ أيها المؤمنون ـ ، وسأقذف فيها الهلع والجزع حتى تتمكنوا منهم.
والرعب : انزعاج النفس وخوفها من توقع مكروه ، وأصله التقطيع من قولهم : رعبت السنام ترعيبا إذا قطعته مستطيلا ، كأن الخوف يقطع الفؤاد.
وقوله : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) الخطاب فيه للمؤمنين ، وقيل ، للملائكة.
والمراد بما فوق الأعناق الرءوس كما روى عن عطاء وعكرمة. أو المراد بها الأعناق ذاتها فتكون فوق بمعنى : على وهو قول أبى عبيدة.
ويرى صاحب الكشاف أن المراد بما فوق الأعناق : أعالى الأعناق التي هي المذابح ، لأنها مفاصل ، فكان إيقاع الضرب فيها جزا وتطييرا للرءوس.
والمراد بالبنان ـ كما سبق أن بينا ـ الأصابع أو مطلق الأطراف.
والمعنى : لقد أعطيتكم ـ أيها المؤمنون ـ من وسائل النصر ما أعطيتكم ، فهاجموا أعدائى وأعداءكم بقوة وغلظة ، واضربوهم على أعناقهم ورءوسهم ومواضع الذبح فيهم. واضربوهم على كل أطرافهم حتى تشلوا حركتهم ، فيصبحوا عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.
ثم بين سبحانه ـ السبب في تكليفه المؤمنين بمجاهدة الكافرين والإغلاظ عليهم وقتلهم.
فقال ـ تعالى ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
فاسم الإشارة (ذلِكَ) يعود إلى ما سبق بيانه من تأييد المؤمنين ، وأمرهم بضرب الكافرين .. وهو في محل رفع على الابتداء. وقوله (بِأَنَّهُمْ ...) خبره. والباء للسببية.
وقوله : (شَاقُّوا) من المشاقة بمعنى المخالفة والمعاداة مشتقة من الشق ـ أى الجانب ـ ، فكل واحد من المتعاديين أو المتخالفين صار في شق غير شق صاحبه.
والمعنى : ذلك الذي ذكره الله ـ تعالى ـ فيما سبق ، من تأييده للمؤمنين وأمره إياهم
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١١٧ ـ بتلخيص يسير ـ