اللهم أينا أقطع للرحم .. فأحنه الغداة. قال ابن جرير : فكان ذلك استفتاحه ، فأنزل الله في ذلك (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ ..) (١).
ولعل مما يرجح أن الخطاب في قوله ـ تعالى ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ...) للكافرين ، أن بعض المفسرين ـ كابن جرير وابن كثير ـ ساروا في تفسيرهم للآية على ذلك ، وأهملوا الرأى القائل بأن الخطاب للمؤمنين فلم يذكروه أصلا.
أما صاحب الكشاف فقد ذكره بصيغة «وقيل» وصدر كلامه بكون الخطاب للكافرين فقال : قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ..) خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم ، وذلك أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أقرانا للضيف ، وأوصلنا للرحم ، وأفكنا للعانى ...» (٢).
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة التي افتتحت بنداء المؤمنين ، قد أمرتهم بالثبات عند لقاء الأعداء .. وبينت لهم جوانب من مظاهر فضل الله عليهم ، ورعايته لهم .. ورغبت المشركين في الانتهاء عن شركهم وعن محاربتهم للحق ، وحذرتهم من التمادي في باطلهم وطغيانهم .. وأخبرتهم في ختامها بأن الله ـ تعالى ـ مع المؤمنين بتأييده ونصره.
ثم وجهت السورة الكريمة نداء ثانيا إلى المؤمنين ، أمرتهم بطاعة الله ورسوله ، ونهتهم عن التشبه بالكافرين وأمثالهم من المنافقين.
فقال ـ تعالى ـ :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٢٣)
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٩ ص ٢٠٨.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٠٨.