عليكم بالهزيمة والذلة. وعلى المؤمنين بالنصر والعزة ، ولن تستطيع فئتكم وجماعتكم ـ ولو كثرت ـ أن تدفع عنكم شيئا من تلك الهزيمة وهذه الذلة ، فإن الكثرة والقوة لا وزن لها ولا قيمة إذا لم يكن الله مع أصحابها بعونه وتأييده.
وقوله : (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) تذييل قصد به تثبيت المؤمنين ، وإلقاء الطمأنينة في نفوسهم.
أى : وأن الله مع المؤمنين بعونه وتأييده ، ومن كان الله معه فلن يغلبه غالب مهما بلغت قوته.
قال الجمل : «قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم بفتح «أن» والباقون بكسرها. فالفتح من أوجه :
أحدها : أنه على لام العلة والمعلل تقديره ، ولأن الله مع المؤمنين كان كيت وكيت.
والثاني : أن التقدير : ولأن الله مع المؤمنين امتنع عنادهم. والثالث أنه خبر مبتدأ محذوف. أى : والأمر أن الله مع المؤمنين.
والوجه الأخير يقرب في المعنى من قراءة الكسر لأنه استئناف (١).
هذا وما جرينا عليه من أن الخطاب في قوله ـ تعالى ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ..) للمشركين هو رأى جمهور المفسرين.
ومنهم من يرى أن الخطاب في الآية الكريمة للمؤمنين ، وعليه يكون المعنى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ...) أى تطلبوا ـ أيها المؤمنون ـ النصر على أعدائكم (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) أى : فقد جاءكم النصر من عند الله كما طلبتم.
(وَإِنْ تَنْتَهُوا) أى عن المنازعة في أمر الأنفال ، وعن التكاسل في طاعة الله ورسوله ، (فَهُوَ) أى هذا الانتهاء (خَيْرٌ لَكُمْ).
(وَإِنْ تَعُودُوا) إلى المنازعات والتكاسل (نَعُدْ) عليكم بالإنكار وتهييج الأعداء.
(وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ) أى : ولن تفيدكم كثرتكم شيئا مهما كثرت إن لم يكن الله معكم بنصره.
وأن الله ـ تعالى ـ مع المؤمنين الصادقين في إيمانهم وطاعتهم له.
والذي يبدو لنا أن كون الخطاب للكافرين أرجح ، لأن أسباب النزول تؤيده ، فقد سبق أن بينا أن الكافرين عند خروجهم إلى بدر تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أهدى الجندين .. وأن أبا جهل قال حين التقى القوم :
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٣٦.