صفو الدولة ، ولا يخلون بنظام السلطة العامة ، ثم يرخى لهم بعد ذلك عنان الاختيار في شئونهم الخاصة بهم ، لا رقيب عليهم فيها سوى ضمائرهم» (١).
وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه : قال السيوطي : استدل بقوله ـ تعالى ـ (وَهُمْ صاغِرُونَ) من قال إنها تؤخذ بإهانة ، بأن يجلس الآخذ ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه ، ويحنى ظهره ، ويقبض الآخذ لحيته ... إلخ.
وقد رد الإمام ابن القيم على هذا القائل بقوله : هذا كله مما لا دليل عليه ، ولا هو من مقتضى الآية ، ولا نقل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا عن أصحابه.
والصواب في الآية ، أن الصغار : هو التزامهم بجريان أحكام الله عليهم ، وإعطاء الجزية ، فإن ذلك هو الصغار ، وبه قال الشافعى» (٢).
والذي نراه أن ما قاله الإمام ابن القيم في رده هو عين الصواب ، وأن ما نقله السيوطي عن بعضهم ... يتنافى مع سماحة الإسلام وعدله ورحمته بالناس.
هذا ، وهناك أحكام أخرى تتعلق بالجزية لا مجال لذكرها هنا ، فليرجع إليها من شاء في بعض كتب الفقه والتفسير (٣).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ بعض رذائل أهل الكتاب على سبيل الإجمال ، اتبع ذلك بتفصيل هذه الرذائل ، فحكى أقوالهم الباطلة ، وأفعالهم الذميمة ، ونواياهم السيئة فقال ـ تعالى ـ :
(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ
__________________
(١) الإسلام والنصرانية ص ٧٤.
(٢) تفسير القاسمى ج ٨ ص ٣١٠٨.
(٣) راجع على سبيل المثال تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٠٩. وتفسير المنار ج ١٠ ص ٣٣١ وتفسير القاسمى ج ٨ ص ٣١٠٥.