ثم فصل ـ سبحانه ـ مظاهر رحمته للمؤمنين والمؤمنات أصحاب تلك الصفات السابقة فقال : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
أى : (وَعَدَ اللهُ) بفضله وكرمه (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أى : من تحت بساتينها وأشجارها وقصورها (خالِدِينَ فِيها) في تلك الجنات خلودا أبديا.
ووعدهم كذلك «مساكن طيبة» أى : منازل حسنة ، تنشرح لها الصدور وتستطيبها النفوس.
وقوله : «في جنات عدن» أى في جنات ثابتة مستقرة. يقال : فلان عدن بمكان كذا ، إذا استقر به وثبت فيه ، ومنه سمى المعدن معدنا لاستقراره في باطن الأرض.
وقيل : إن كلمه «عدن» علم على مكان مخصوص في الجنة ، أى في جنات المكان المسمى بهذا الاسم وهو «عدن».
ثم بشرهم ـ سبحانه ـ بما هو أعظم من كل ذلك فقال : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ).
أى أن المؤمنين والمؤمنات ليس لهم هذه الجنات والمساكن الطيبة فحسب وإنما لهم ما هو أكبر من ذلك وأعظم وهو رضا الله ـ تعالى ـ عنهم ، وتجليه عليهم ، وتشرفهم بمشاهدة ذاته الكريمة ، وشعورهم بأنهم محل رعاية الله وكرمه.
والتنكير في قوله : (وَرِضْوانٌ) للتعظيم والتهويل ، وللإشارة إلى أن الشيء اليسير من هذا الرضا الإلهى على العبد ، أكبر من الجنات ومن المساكن الطيبة ، ومن كل حطام الدنيا.
روى الشيخان عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله ـ عزوجل ـ يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون : يا ربنا وأى شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا».
وروى البزار في مسنده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال الله ـ تعالى ـ : هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟
قالوا : يا ربنا وما خير مما أعطيتنا؟ قال : رضواني أكبر» (١).
وقوله : (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أى : ذلك الذي وعد الله به المؤمنين والمؤمنات في جنات ومساكن طيبة ، ومن رضا من الله عنهم ، هو الفوز العظيم الذي لا يقاربه فوز ، ولا يدانيه
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٧٠.