لذلك. والرأفة عبارة عن السعى في إزالة الضرر ، والرحمة عبارة عن السعى في إيصال النفع ، (١).
وقال القرطبي : قوله «ثم تاب عليهم» قيل : توبته عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ ؛ وتلك سنة الحق ـ سبحانه ـ مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ووطنوا أنفسهم على الهلاك ، أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم.
قال الشاعر :
منك أرجو ولست أعرف ربا |
|
يرتجى منه بعض ما منك أرجو |
وإذا اشتدت الشدائد في الأر |
|
ض على الخلق فاستغاثوا وعجوا |
وابتليت العباد بالخوف والجو |
|
ع ، وصروا على الذنوب ولجوا |
لم يكن لي سواك ربي ملاذ |
|
فتيقنت أننى بك أنجو |
وكما تقبل الله ـ تعالى ـ توبة المهاجرين والأنصار الذين اتبعوا رسولهم صلىاللهعليهوسلم في ساعة العسرة .. فقد تقبل توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن الاشتراك في غزوة تبوك ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١١٨)
هذه الآية الكريمة معطوفة على الآية السابقة لها. والمعنى : لقد تقبل الله ـ تعالى ـ بفضله وإحسانه توبة النبي والمهاجرين والأنصار ، وتقبل كذلك توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن هذه الغزوة كسلا وحبا للراحة ، والذين سبق أن أرجأ الله حكمه فيهم بقوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ..) (٢).
وقوله : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٢٥.
(٢) راجع تفسير الآية رقم ١٠٦ من هذه السورة ص ٣٩٩.