سبحانه. وذلك لأن هؤلاء المشركين قد شهدوا على أنفسهم بالكفر شهادة نطقت بها ألسنتهم ، وأيدتها أعمالهم.
فهم لا ينطقون بكلمة التوحيد ، وإنما ينطقون بالكفر والإشراك. وهم لا يعملون أعمال المؤمنين ، وإنما يعملون الأعمال القبيحة التي تدل على إصرارهم على باطلهم كسجودهم للأصنام عقب الطواف بالكعبة.
قال الفخر الرازي : وذكروا في تفسير هذه الشهادة وجوها :
الأول ـ وهو الأصح : أنهم أقروا على أنفسهم بعبادة الأوثان ، وتكذيب القرآن ، وإنكار نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكل ذلك كفر ؛ فمن يشهد على نفسه بكل هذه الأشياء فقد شهد على نفسه بما هو كفر في نفس الأمر ، وليس المراد أنهم شهدوا على أنفسهم بأنهم كفرة.
الثاني. قال السدى : شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو أن يقول عابد الوثن أنا عابد الوثن.
الثالث : أنهم كانوا يطوفون عراة ؛ وكلما طافوا شوطا سجدوا للأصنام. وكانوا يقولون : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك (١).
ثم بين ـ سبحانه : في ختام الآية سوء عاقبتهم فقال (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) :
أى : أولئك المشركون الشاهدون على أنفسهم بالكفر قد فسدت أعمالهم التي كانوا يفتخرون بها مثل العمارة والحجابة والسقاية لأنها مع الكفر لا قيمة لها ، (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) يوم القيامة بسبب كفرهم وإصرارهم على باطلهم.
ثم بين. سبحانه. أن المؤمنين الصادقين هم الجديرون بعمارة مساجد الله ، فقال : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ).
أى : ليس المشركون أهلا لعمارة مساجد الله ؛ وإنما الذين هم أهل لذلك المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله إيمانا حقا ، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وآمنوا بما فرضه الله عليهم من فرائض فأدوها بالكيفية التي أرشدهم إليها نبيهم صلىاللهعليهوسلم فهم في صلاتهم خاشعون ؛ وللزكاة معطون بسخاء وإخلاص.
وهم بجانب ذلك لا يخشون أحدا إلا الله في تبليغ ما كلفوا بتبليغه من أمور الدين ؛
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ٨.