الاطمئنان ، والدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت ، فإن العشرين قد لا تغلب المائتين ، وتغلب المائة الألف ، وأما الترتيب في المكرر فعلى ذكر الأقل ثم الأكثر على الترتيب الطبيعي.
وقيل في سر ذلك : إنه بشارة للمسلمين بأن جنود الإسلام سيجاوز عددهم العشرات والمئات إلى الألوف.
ثم قال : وقال في البحر : انظر إلى فصاحة هذا الكلام ، حيث أثبت في الشرطية الأولى قيد الصبر ، وحذف نظيره من الثانية ، وأثبت في الثانية قيد كونهم من الكفرة ، وحذفه من الأولى ، ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت في أولى جملتي التخفيف وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه ، ثم ختمت بقوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) مبالغة في شدة المطلوبية ، وإشارة إلى تأييدهم ، وأنهم منصورون حتما ، لأن من كان الله معه لا يغلب ...» (١).
وبعد هذا الحديث المستفيض عن القتال في سبيل الله .. عقب ـ سبحانه ـ ذلك بالحديث عن بعض الأحكام التي تتعلق بالأسرى بمناسبة ما فعله الرسول صلىاللهعليهوسلم مع أسرى غزوة بدر من الكافرين ، فقال ـ تعالى ـ :
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦٩)
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها ، ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب : أنه لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ، فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني.
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٨ ص ٣٠٣٩.