وقوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله.
أى : والله ـ تعالى ـ مع الصابرين بتأييده ورعايته ونصره ، فاحرصوا على أن تكونوا من المؤمنين الصادقين لتنالوا منه ـ سبحانه ـ ما يسعدكم في دنياكم وآخرتكم.
هذا ، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية قد نسخت الآية السابقة عليها ، ومنهم من يرى غير ذلك.
قال الآلوسى : قوله : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ ..) شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد العشرة ، والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا ـ بعون الله وتأييده ـ فالجملة خبرية لفظا إنشائية معنى.
والمعنى : ليصبرن الواحد لعشرة ؛ وليست بخبر محض ...
وقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ..) أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : لما نزلت (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ ..) شق ذلك على المسلمين إذ فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف وهل يعد ذلك نسخا أولا؟ قولان : اختار بعضهم الثاني منهما وقال : إن الآية مخففة ، ونظير ذلك التخفيف على المسافر بالفطر.
وذهب الجمهور إلى الأول ، وقالوا : إن الآية الثانية ناسخة للأولى (١). وقال بعض العلماء : فرض الله على المؤمنين أول الأمر ألا يفر الواحد من المؤمنين من العشرة من الكفار ، وكان ذلك في وسعهم ، فأعز الله بهم الدين على قلتهم ، وخذل بأيديهم المشركين على كثرتهم ، وكانت السرايا تهزم من المشركين أكثر من عشر أمثالها تأييدا من الله لدينه.
ولما شق على المؤمنين الاستمرار على ذلك ، وضعفوا عن تحمله ، ولم تبق ضرورة لدوام هذا الحكم لكثرة عدد المسلمين ممن دخلوا في دين الله أفواجا نزل التخفيف ، ففرض على الواحد الثبات للاثنين من الكفار ، ورخص له في الفرار إذا كان العدو أكثر من اثنين.
وهو رخصة كالفطر للمسافر ، وذهب الجمهور إلى أنه نسخ» (٢).
وقال الشيخ القاسمى : إن قيل : إن كفاية عشرين لمائتين تغنى عن كفاية مائة لألف. وكفاية مائة لمائتين تغنى عن كفاية ألف لألفين ، لما تقرر من وجوب ثبات الواحد للعشرة في الأولى ، وثبات الواحد للاثنين في الثانية فما سر هذا التكرير؟
أجيب : بأن سره كون كل عدة بتأييد القليل على الكثير لزيادة التقرير المفيد لزيادة
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٣١ بتصريف وتلخيص.
(٢) صفوة البيان لمعانى القرآن ص ٣٠٧ لفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين مخلوف.