يتقبلها بيمينه ، فيربيها لصاحبها حتى تصير الثمرة مثل أحد ، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فعن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربى أحدكم مهره ، حتى إن اللقمة لتكون مثل أحد» وتصديق ذلك في كتاب الله قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ). وقوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ).
وعن عبد الله بن مسعود قال : إن الصدقة تقع في يد الله ـ تعالى ـ قبل أن تقع في يد السائل ، ثم قرأ هذه الآية. (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ...) (١).
ثم أمر ـ سبحانه ـ بالتزود من العمل الصالح ، وحذر من الوقوع في العمل السيئ ، فقال ـ تعالى ـ : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).
أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء التائبين وغيرهم ، قل لهم : اعملوا ما تشاءون من الأعمال ، فإن الله مطلع عليها ، وسيطلع رسوله والمؤمنون عليها كذلك.
وخص ـ سبحانه ـ رسوله والمؤمنين بالذكر ، لأنهم هم الذين يهتم المخاطبون باطلاعهم.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ ...) تعليل لما قبله ، أو تأكيد لما يستفاد منه من الترغيب والترهيب ، والسين للتأكيد .. والمراد من رؤية الله العمل ـ عند جمع ـ الاطلاع عليه ، وعلمه علما جليا ، ونسبة ذلك للرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، باعتبار أن الله ـ تعالى ـ لا يخفى ذلك عنهم ، بل يطلعهم عليه ...» (٢).
وقوله : (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بيان لما سيكون عليه حالهم في الآخرة.
أى : وسترجعون بعد موتكم إلى الله ـ تعالى ـ الذي لا يخفى عليه شيء ، فينبئكم بما كنتم تعملونه في الدنيا من خير أو شر ، وسيجازيكم بما تستحقونه من ثواب أو عقاب.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال قسم آخر من أقسام المتخلفين عن غزوة تبوك ، فقال ـ تعالى ـ : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ، إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ..).
قال الجمل : قوله : «وآخرون مرجون ...» قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عمر وأبو بكر عن عاصم «مرجؤون» بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنة. وقرأ الباقون «مرجون» دون
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٨٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٦.