أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
والمراد بالهدى : القرآن الكريم المشتمل على الإرشادات السامية ، والتوجيهات القويمة ، والأخبار الصادقة ، والتشريعات الحكيمة.
والمراد بدين الحق : دين الإسلام الذي هو خاتم الأديان.
وقوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) من الإظهار بمعنى الإعلاء والغلبة بالحجة والبرهان ، والسيادة والسلطان.
والجملة تعليلية لبيان سبب هذا الإرسال والغاية منه.
والضمير في (لِيُظْهِرَهُ) يعود على الدين الحق أو الرسول صلىاللهعليهوسلم والمعنى : هو الله ـ سبحانه ـ الذي أرسل رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم بالقرآن الهادي للتي هي أقوم ، وبالدين الحق الثابت الذي لا ينسخه دين آخر ، وكان هذا الإرسال لإظهار هذا الدين الحق على سائر الأديان بالحجة والغلبة ، ولإظهار رسوله صلىاللهعليهوسلم على أهل الأديان كلها ، بما أوحى إليه ـ سبحانه ـ من هدايات ، وعبادات ، وتشريعات ، وآداب ... في اتباعها سعادة الدنيا والآخرة.
وختم ـ سبحانه ـ هذه الآية بقوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وختم التي قبلها بقوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) للإشعار بأن هؤلاء الذين قالوا : «عزير ابن الله والمسيح ابن الله» قد جمعوا بسبب قولهم الباطل هذا ، بين رذيلتي الكفر والشرك ، وأنه ، سبحانه ، سيظهر أهل دينه على جميع أهل الأديان الأخرى.
هذا ، وقد ساق الإمام ابن كثير بعض الأحاديث التي تؤيد ذلك ، منها : ما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله زوى لي الأرض من مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لي منها».
وروى الإمام أحمد عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول : صلى هذا الحي من محارب الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة».
وروى أيضا عن تميم الداري قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين ، يعز عزيزا ويذل ذليلا ، عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر». وكان تميم الداري يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الشرف والخير والعز ، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية.