كقوله ـ تعالى ـ (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (١) جعل الضمير للتجارة ... (٢).
وقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) خبر الموصول.
والتعبير بالبشارة من باب التهكم بهم ، والسخرية منهم ، فهو كقولهم : تحيتهم الضرب ؛ وإكرامهم الشتم.
وقوله : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ..) تفصيل لهذا العذاب الأليم ، وبيان لميقاته ، حتى يقلع البخلاء عن بخلهم ، والأشحاء عن شحهم ...
والظرف (يَوْمَ) منصوب بقوله : (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ؛ أو بفعل محذوف يدل عليه هذا القول.
أى : يعذبون يوم يحمى عليها ، أو بفعل مقدر ؛ أى : اذكر يوم يحمى عليها.
وقوله (يُحْمى) يجوز أن يكون من حميت وأحميت ـ ثلاثيا ورباعيا ـ يقال : حميت الحديدة وأحميتها ، أى : أوقدت عليها لتحمى.
وقوله : (عَلَيْها) جار ومجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل. ويجوز أن يكون القائم مقام الفاعل مضمرا ، أى : يحمى الوقود أو الجمر عليها.
قال الآلوسى : وأصله تحمى بالنار من قولك : حميت الميسم وأحميته فجعل الإحماء للنار مبالغة ؛ لأن النار في ذاتها ذات حمى ، فإذا وصفت بأنها تحمى دل على شدة توقدها. ثم حذفت النار ، وحول الإسناد إلى الجار والمجرور تنبيها على المقصود بأتم وجه فانتقل من صيغة التأنيث إلى التذكير كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير. فإذا طرحت القصة وأسند الفعل إلى الجار والمجرور قلت : رفع إلى الأمير ، وقرأ ابن عامر تحمى بالتاء بإسناده إلى النار كأصله» (٣). والمعنى : بشر ـ يا محمد ـ أولئك الذين يكنزون الأموال في الدنيا ولا ينفقونها في سبيل الله ، بالعذاب الأليم يوم الحساب يوم تحمى النار المشتعلة على تلك الأموال التي لم يؤدوا حق الله فيها (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ) أى : فتحرق بها جباههم التي كانوا يستقبلون بها الناس ، والتي طالما ارتفعت غرورا بالمال المكنوز ، وتحرق بها ـ أيضا ـ «جنوبهم» التي كثيرا ما انتفخت من شدة الشبع وغيرها جائع ، وتحرق بها كذلك «ظهورهم» التي نبذت وراءها حقوق الله بجحود وبطر ...
__________________
(١) سورة الجمعة الآية ١١.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ٤٧ ـ بتصرف وتلخيص.
(٣) تفسير الآلوسى : ج ١٠ ص ٧٨.