وقوله (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) بشارة منه ـ سبحانه ـ للمؤمنين بالنصر والتأييد.
أى : وإن أعرضوا عن الإيمان ولم ينتهوا عن الكفر والطغيان (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) أى : ناصركم ومعينكم عليهم ، فثقوا بولايته ونصرته ، فهو ـ سبحانه ـ (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) لأنه لا يضيع من تولاه ، ولا يهزم من نصره.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد فتحت الباب للكافرين حتى يفيئوا إلى رشدهم ، وينتهوا عن كفرهم ، وبشرتهم بأنهم إذا فعلوا ذلك غفر الله لهم ما سلف من ذنوبهم .. أما إذا استمروا في كفرهم ومعاداتهم للحق ، فقد أمر الله عباده المؤمنين بقتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ..
أى أن القتال في الإسلام شرعه الله ـ تعالى ـ من أجل إعلاء كلمته ومن أجل رفع الأذى والفتنة والعدوان عمن يعتنقون دينه وشريعته.
هذا ، وقد ساق ابن كثير عند تفسيره الآيات جملة من الأحاديث التي تشهد بأن القتال في الإسلام إنما شرعه الله ـ تعالى ـ لإعلاء كلمته ، وليس لأجل الغنيمة أو السيطرة على الغير .. وأنه لا يجوز لمسلم أن يقتل إنسانا بعد نطقه بالشهادتين. فقال ـ رحمهالله ـ : وقوله ـ تعالى ـ (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ..).
روى البخاري عن ابن عمر أن رجلا جاءه ـ في فتنة ابن الزبير ـ فقال له يا أبا عبد الرحمن ، ألا تصنع ما ذكره الله في كتابه (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ...) الآية (١). فما يمنعك من القتال؟ فقال يا ابن أخى لأن أعير بهذه الآية ولا أقاتل ، أحب إلى من أن أعير بالآية التي تقول : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ..) الآية (٢).
فقال الرجل : فإن الله يقول : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) فقال ابن عمر : «قد فعلنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ كان الإسلام قليلا ، فكان الرجل يفتن في دينه : إما أن يقتلوه ، وإما أن يوثقوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة ..
وعن سعيد بن جبير قال : خرج إلينا ابن عمر فقال له قائل : كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال له ابن عمر وهل تدرى ما الفتنة؟ كان محمد صلىاللهعليهوسلم يقاتل المشركين ، وكان الدخول عليهم فتنة ، وليس بقتالكم على الملك.
وفي رواية أنه قال : قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ، ويكون الدين لغير الله.
__________________
(١) سورة الحجرات : الآية ٩.
(٢) سورة النساء : الآية ٩٣.