في الدنيا ، أما في الآخرة ، فأنتم «ستردون» يوم القيامة «إلى عالم الغيب والشهادة» الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء «فينبئكم بما كنتم تعملون» أى : فيخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا من أعمال قبيحة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب.
ثم أخبر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن هؤلاء المنافقين ، سيؤكدون أعذارهم الكاذبة بالأيمان الفاجرة فقال : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ...).
أى : أنهم سيحلفون بالله لكم ـ أيها المؤمنون ـ إذا ما رجعتم إليهم من تبوك وذلك لكي تعرضوا عنهم فلا توبخوهم على قعودهم ، ولا تعنفوهم على تخلفهم.
وقوله (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ) تعليل لوجوب الإعراض عنهم ، لا على سبيل الصفح والعفو ، بل على سبيل الإهمال والترك والاحتقار.
أى : فأعرضوا ـ أيها المؤمنون ـ عن هؤلاء المنافقين المتخلفين ، لأنهم «رجس».
أى : قذر ونجس لسوء نواياهم ، وخبث طواياهم.
وقد جعلهم ـ سبحانه ـ نفس الرجس ، مبالغة في نجاسة أعمالهم ، وقبح بواطنهم.
وقوله : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بيان لسوء مصيرهم في الآخرة.
أى : أنهم في الدنيا محل الاحتقار والازدراء لنجاسة بواطنهم ، أما في الآخرة فمستقرهم وموطنهم جهنم بسبب ما اكتسبوه من أعمال قبيحة ، وما اجترحوه من أفعال سيئة.
وقوله : (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) بدل مما قبله.
ولم يذكر ـ سبحانه ـ المحلوف به لظهوره أى : يحلفون بالله لترضوا عنهم ، ولتصفحوا عن سيئاتهم ...
وقوله : (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) بيان لحكم الله ـ تعالى ـ فيهم ، حتى يكون المؤمنون على حذر منهم.
أى : إن هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد يحلفون بالله لكم بأنهم ما تخلفوا إلا لعذر ، لكي تصفحوا عنهم ، أيها المؤمنون ، فإن صفحتم عنهم على سبيل الفرض فإن الله ـ تعالى ـ لا يصفح ولا يرضى عن القوم الذين فسقوا عن أمره ، وخرجوا عن طاعته.
وقال الآلوسى ، «والمراد من الآية الكريمة ، نهى المخاطبين عن الرضا عنهم ، وعن الاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على أبلغ وجه وآكده ، فإن الرضا عمن لا يرضى عنه الله ـ تعالى ـ مما لا يكاد يصدر عن المؤمنين ، والآية نزلت على ما روى عن ابن عباس في جد بن قيس ،