ولما كان حب الأموال والأولاد والاشتغال بهم من أهم دواعي الإقدام على الخيانة ، نبه ـ سبحانه ـ إلى ذلك فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ، وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
أى : واعلموا ـ أيها المؤمنون ـ أنما أموالكم وأولادكم فتنة ، أى امتحان واختبار لكم من الله ـ تعالى ـ ليتبين قوى الإيمان من ضعيفه.
أما قوى الإيمان فلا يشغله ماله وولده عن طاعة الله ، وأما ضعيف الإيمان فيشغله ذلك عن طاعة الله ، ويجعله يعيش حياته عبدا لأمواله ، ومطيعا لمطالب أولاده حتى ولو كانت هذه الطاعة متنافية مع تعاليم دينه وآدابه.
وقال صاحب المنار : الفتنة هي الاختبار والامتحان بما يشق على النفس فعله أو تركه ، أو قبوله أو إنكاره.
وأموال الإنسان عليها مدار حياته ، وتحصيل رغائبه وشهواته ، ودفع كثير من المكاره عنه ، فهو يتكلف في طلبها المشاق ، ويركب الصعاب ، ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام ، ويرغبه في القصد والاعتدال في إنفاقها.
وأما الأولاد فحبهم ـ كما يقول الأستاذ الامام ـ ضرب من الجنون يلقيه الفاطر الحكيم في قلوب الأمهات والآباء ، فيحملهم على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم.
روى أبو ليلى من حديث أبى سعيد الخدري مرفوعا «الولد ثمرة القلب ، وإنه مجبنة مبخلة محزنة». فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الآثام ، وعلى الجبن ، وعلى البخل ، وعلى الحزن.
فالواجب على المؤمن اتقاء خطر الفتنة الأولى يكسب المال من وجوهه الحلال ، وإنفاقه في وجوهه المشروعة .. واتقاء خطر الفتنة الثانية باتباع ما أوجبه الله على الآباء من حسن تربية الأولاد على الدين والفضائل ، وتجنبهم أسباب المعاصي والرذائل» (١).
وقوله (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) تذييل قصد به ترغيب المؤمنين في طاعة الله ، بعد أن حذرهم من فتنة المال والولد.
أى : واعلموا أن الله عنده أجر عظيم لمن آثر طاعته ورضاه على جمع المال وحب الأولاد ، فكونوا ـ أيها المؤمنون ـ من حزب المؤثرين لحب الله على حب الأموال والأولاد لتنالوا السعادة في الدنيا والآخرة.
__________________
(١) تفسير المنار ج ٩ ص ٥٩٤ ـ بتصرف وتلخيص.