«ائذن لي» في القعود بالمدينة ، «ولا تفتني» أى ولا توقعني في المعصية والإثم بسبب خروجي معك إلى تبوك ، ومشاهدتى لنساء بنى الأصفر.
وعبر ـ سبحانه ـ عن قول هذا المنافق بالفعل المضارع ، لاستحضار تلك الحال لغرابتها ، فإن مثله في نفاقه وفجوره لا يخشى إثم الافتتان بالنساء إذ لا يجد من دينه مانعا من غشيان الشهوات الحرام.
وقوله : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) رد عليه فيما قال ، وذم له على ما تفوه به.
أى : ألا إن هذا وأمثاله في ذات الفتنة قد سقطوا ، لا في أى شيء آخر مغاير لها.
وبدأ ـ سبحانه ـ الجملة الكريمة بأداة التنبيه «ألا» ، لتأكيد الخبر ، وتوجيه الأسماع إلى ما اشتمل عليه من توبيخ لهؤلاء المنافقين.
وقدم الجار والمجرور على عامله ؛ للدلالة على الحصر. أى فيها لا في غيرها قد سقطوا وهووا إلى قاع سحيق.
قال الآلوسى : وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة ، تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة المفصحة عن ترديهم في دركات الردى أسفل سافلين (١).
وقال الفخرى الرازي ما ملخصه : «وفيه تنبيه على أن القوم إنما اختاروا القعود لئلا يقعوا في الفتنة ، فالله ـ تعالى ـ بيّن أنهم في عين الفتنة واقعون ، لأن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله وبرسوله ، والتمرد على قبول التكاليف التي كلفنا الله بها ..» (٢).
وقوله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) وعيد وتهديد لهم على أقوالهم وأفعالهم.
أى : وإن جهنم لمحيطة بهؤلاء الكافرين بما جاء من عند الله ، دون أن يكون لهم منها مهرب أو مفر.
وعبر عن إحاطتها بهم باسم الفاعل الدال على الحال ، لإفادة تحقيق ذلك حتى لكأنه واقع مشاهد.
قالوا : ويحتمل أنها محيطة بهم الآن ، بأن يراد بجهنم الأسباب الموصلة إليها من الكفر والنفاق وغير ذلك من الرذائل التي سقطوا فيها.
وقوله : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ..) بيان لنوع آخر من خبث نواياهم ، وسوء بواطنهم.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١١٤.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٤٨.