وقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) أى : وأولئك الموصوفون بتلك الصفات الكريمة ، هم الفائزون ، بثواب الله الأعظم ، وبرضائه الأسمى الذي لا يصل إليه ، سواهم ممن لم يفعل فعلهم.
ثم فصل ـ سبحانه ـ هذا الفوز فقال : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ. خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
أى يبشرهم ربهم على لسان نبيهم صلىاللهعليهوسلم في الدنيا وعلى لسان الملائكة عند الموت (بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) أى : برحمة واسعة منه ـ سبحانه ـ وبرضائه التام عنهم ، وبجنات عالية لهم فيها نعيم عظيم لا يزول ولا يبيد.
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أى : ماكثين في تلك الجنات مكثا أبديا.
(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره لهؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
قال الآلوسى : ذكر أبو حيان أنه ـ تعالى ـ لما وصف المؤمنين بثلاث صفات الإيمان والهجرة ، والجهاد بالنفس والمال ، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاث : الرحمة ، والرضوان ، والجنة.
وبدأ ـ سبحانه ـ بالرحمة في مقابلة الإيمان لتوقفها عليه ، ولأنها أعم النعم وأسبقها كما أن الإيمان هو السابق.
وثنى ـ سبحانه ـ بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة الجهاد الذي هو بذل الأنفس والأموال.
وثلث بالجنات في مقابلة الهجرة وترك الأوطان ، إشارة إلى أنهم لما آثروا تركها ـ في سبيله أعطاهم بدلها دارا عظيمة دائمة وهي الجنات.
وفي الحديث الصحيح يقول الله ـ سبحانه ـ : «يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون كيف لا نرضى وقد باعدتنا عن نارك وأدخلتنا جنتك؟ فيقول ـ سبحانه ـ لكم عندي أفضل من ذلك ، فيقولون : وما أفضل من ذلك؟ فيقول جل شأنه : أحل لكم رضائى فلا أسخط عليكم بعده أبدا» (١).
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت أنه لا تصح المساواة بين المؤمنين الصادقين
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٦٠ ص ٦٢.