والأولى أن تكون الجملة الكريمة عامة في كل من آذاهم المشركون.
أما الفائدة الخامسة فقد بينها ـ سبحانه. في قوله (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) : أى : ويذهب غيظ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين ويزيل كربها وغمها ، لأن الشخص الذي طال أذى خصمه له. ثم مكنه الله منه على أحسن الوجوه فإن هذا الشخص في هذه الحالة يعظم سروره ، ويفرح قلبه ، ويتحول غيظه السابق إلى غبطة وارتياح نفسي.
قال الآلوسى : «وظاهر العطف أن إذهاب الغيط غير شفاء الصدور. ووجه بأن الشفاء يكون بقتل الأعداء وخزيهم ، وإذهاب الغيظ يكون بالنصر عليهم ... وقيل ؛ إذهاب الغيظ كالتأكيد لشفاء الصدر ، وفائدته المبالغة في جعلهم مسرورين بما يمن الله به عليهم من تعذيبه لأعدائهم ، ونصرته لهم عليهم ، ولعل إذهاب الغيظ من القلب أبلغ مما عطف عليه ، فيكون ذكره من باب الترقي ...» (١).
وقوله : تعالى ـ (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) كلام مستأنف لبيان شمول قدرة الله ـ تعالى ـ ، وواسع رحمته ، وبالغ حكمته.
أى : ويتوب الله على من يشاء أن يتوب عليه من عباده فيوفقه للإيمان ، ويشرح صدره للإسلام ، والله ـ تعالى عليم بسائر شئون خلقه ، حكيم في كل أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته ، فامتثلوا أمره ، واجتنبوا نهيه ، لتنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : وهذه الآية تدل على كون الصحابة مؤمنين في علم الله ـ تعالى ـ إيمانا حقيقيا ؛ لأنها تدل على أن قلوبهم كانت مملوءة بالغضب وبالحمية من أجل الدين ، ومن أجل الرغبة الشديدة في علو دين الإسلام ، وهذه الأحوال لا تحصل إلا في قلوب المؤمنين الصادقين.
كما تدل على أنها من المعجزات ، لأنه ـ تعالى ـ أخبر عن حصول هذه الأحوال ، وقد وقعت كما أخبر فقد انتصر المؤمنون ، وأسلم من المشركين أناس كثيرون ـ فيكون ذلك إخبارا عن الغيب ، والإخبار عن الغيب معجزة» (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات الكريمة التي حرضت المؤمنين على القتال أعظم تحريض ، ببيان بعض الحكم التي من أجلها شرع الجهاد في سبيل الله ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٥٥ ـ بتصرف وتلخيص.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ٤.